Ad

من بين المثالب التي تسم أداء الإخوان حيال النخبة، ذلك التجاهل للثقافة والفنون، فالإخوان لم يفلحوا طيلة العقود التي خلت في تقديم مثقفين كبار الى مصر، وكل المثقفين العظام الذين يتمسح الإخوان بهم من أمثال طارق البشري وسليم العوا ومحمد عمارة، لا ينتمون تنظيمياً إلى الجماعة.

راهن الإخوان المسلمون في مصر على الجماهير، فدفعتهم إلى أن يصبحوا قوة المعارضة الرئيسة في البلاد، لكنهم يدفعون ثمنا أكبر بكثير مما حصدوه من سياسة الميل إلى العوام. وفي المقابل، اعتمد الحزب الوطني الحاكم على استقطاب هذه النخب من خلال الجهاز البيروقراطي للدولة وخزانتها ووسائل التسيير والإدارة التي تمتلكها، وأدوات الحماية التي تحوزها. وفي وقت كانت جماهيرية الحزب الحاكم تتآكل بشكل منظم كانت النخب تسند النظام بكامل طاقتها، إما طمعا في الاستفادة من المنح والعطايا التي يقدمها، أو استفادة من تواطؤ الدولة مع مطامح ومطامع قطاعات من هذه النخب. وعلى النقيض كانت جماهيرية الإخوان تتنامى بشكل لافت، لا يخفى على كل ذي بصر وبصيرة، بينما يرتفع الجدار بين الإخوان وبين هذه النخب، نظرا لعدم تقديم الجماعة ما يطمئن هؤلاء حيال «مدنية الدولة» و«حرية التعبير» و«أمن الوطن».

وفي لحظة من اللحظات بدأ بعض هذه النخب يتململ من النظام ويفقد تباعا الثقة فيه، ومن ثم يتفاعل بوعي مع طروحات الإخوان، ويسعى إلى بناء جسور معهم. ورأينا كيف طالب ليبراليون ويساريون مصريون عتاة بحق الجماعة في الحصول على المشروعية القانونية والشرعية السياسية، في شكل حزب أو جمعية أهلية، وندد كثيرون باعتقال الإخوان وملاحقتهم وقمعهم، ومحاكمتهم أمام القضاء العسكري، وتحدث البعض عن ضرورة إزالة «العقدة النفسية» بين النظام والإخوان، والتي تحول دون تطور مصر سياسيا، حيث تخشى السلطة من أن تؤدي انتخابات حرة نزيهة إلى صعود أكبر للإخوان.

لكن علاقة الإخوان مع النخب لا تزال هشة، قياسا إلى ما تحتاجه قوة طامحة في الوصول إلى السلطة أو التمكن الاجتماعي، أو ما يجب أن تحوزه قوة سياسية تطرح نفسها بديلا عن النظام الحالي. وينسى الإخوان أن الجماهير التي يطلقون عليها «الناس الطيبون» لا تصنع التاريخ، وغاية ما حدث في تجارب البشر أن وجدت في لحظة ما نخبة تحس نبض الناس وتتفاعل معهم وتبني شرعيتها على وجودهم، فعندها نتحدث عن تحقق الجماهير وفاعليتها. ويمكن للجمهور أن يأتي في ظل انتخابات نزيهة بالإخوان إلى الصدارة السياسية، لكن ليس بوسعه أن يضمن لهم استقرارا واستمرارا في الحكم، وهنا تأتي الحاجة إلى رضاء النخب، وهي مسألة لم يبلغ الإخوان فيها شوطا كبيرا مثل ذلك الذي قطعوه في علاقتهم بالناس.

ومن بين المثالب التي تسم أداء الإخوان حيال النخبة، ذلك التجاهل للثقافة والفنون، فالإخوان لم يفلحوا طيلة العقود التي خلت في تقديم مثقفين كبار الى مصر، وكل المثقفين العظام الذين يتمسح الإخوان بهم من أمثال طارق البشري وسليم العوا ومحمد عمارة، لا ينتمون تنظيمياً إلى الجماعة، ويطرحون أفكارا تسبق فكر الإخوان بمراحل. ولم يقدم الإخوان الى مصر روائيين وشعراء كبارا، باستثناء نجيب الكيلاني، وأغلب ما تنتجه الجماعة أو تتحمس له من آداب وفنون يدخل في باب الوعظ، ويبتعد عن قوانين الفن وشروطه. وهذا الوضع جعل القطاع الأكبر من الأدباء والفنانين يفضلون استمرار النظام الحالي، رغم معارضة بعضهم له، على تولي الإخوان زمام الأمر في مصر.

وفي حال استمرت الجسور مقطوعة بين الأغلبية الكاسحة من الشريحة التي تنتج الآداب والفنون في مصر وبين الإخوان، فإن الجماعة ستخسر هذا القطاع المؤثر، أما إذا فطن الإخوان لهذا الأمر، وتخلصوا من ذلك العيب، أو رمموا هذا الشرخ الكبير، فإنه بوسعهم أن يكسبوا إلى جانبهم بعض المثقفين الكبار. لكن هذه الخطوة تحتاج إلى شجاعة فكرية فائقة من الجماعة، تجدد بها رؤيتها للثقافة بشتى ألوانها وصورها، وترد رداً كافياً وناجعاً على اتهامها بالظلامية، شأنها شأن كثير من الجماعات والتنظيمات السياسية المتشددة.

وإذا استمر الإخوان في رهانهم على الجماهير وإهمال النخب، فإن طريقهم إلى التمكن سيظل مسكوناً بالعراقيل، خاصة في ظل استمرار النظام الحاكم في الاعتماد على قطاع لا يستهان به من هذه النخب في حفظ استمراره رغم تراجع شعبيته. أما إذا التفت الإخوان إلى النخبة، وقدموا ما يطمئنها بطرح نظري عصري في شتى المجالات، يتبعه عمل وسلوك يبرهن على انطباق القول على الفعل، واتساق النظري مع العملي، فإن قوة الإخوان قد تتضاعف، وسيصبح طريقهم إلى الحكم ممهداً.

 

كاتب وباحث مصري