لحظة التخلي عن الجسد، هل هي استنارة عظمى؟ لحظة الخلاص منه . الانفلات من الحيز الضاغط. الخروج من قمقم المارد والإطاحة بقانون الصندوق. أليست لحظة قيام عظيم؟

Ad

أرهاصة نورانية. رؤيا في التحرر والخلاص والانسلاخ من وحش الجسد، من جماح رغباته ومتطلباته، من اذلاله واضطهاده لمحتويه.

لإشباعه، لكسائه، لتغذيته ولمتعته تدور عجلات المكائن والمصانع، والعمل والعمال، والغربة والترحال، وسماسرة الأيام والليالي، واسوداد حلم رفاهية لجسد لا يشبع. واسترحام زمن رديء لا يرحم.

وغربة تأكل الأخضر واليابس، حتى تصل باليأس إلى حدود الانطفاء. عندها لا تنفع استجارة لا ترقيع حال يفيد.

ليس هناك إلا رماد أحلام ماتت تحت شجرة، عُلق فيها حبل وجسد يتدلى منها بلا روح.

جسد تخلى عنه في لحظة واضحة الرؤيا.

لا خبل فيها ولا اعتصاب.

رؤيا بانورامية حتى النخاع. أدركت ا لمغزى بوضوح ومعنى الحرية. الكينونة الخالصة من كل القيود، المتحررة من اذلال الشهوات، والمنفلته من احابيل الجسد ومن ابتزاز آمال لا تأتي ابداًً.

وأمام ذهولنا، وتباطؤ ادراكنا، لا نفهم إلا ما هو مطروح لوعينا. غريق في وسع الدنيا . مسكن أكلته غربته.

ونمضي إلى حال سبيلنا.

نخاف أن نفكر أكثر يطحننا الألم.

ألم يباغتنا ويصدم وعينا على صفحات الجرائد.

لا يمر شهر من دون أن نقرأ عن وافد تدلى جسده من سقف حجرة أو شجرة.

كم هو حجم الألم واليأس الذي يدفع بالروح حتى ذبالتها؟

وكم هي كاذبة أحلام الرفاهية وسعر غربتها زهيد.

وكم هذا الجسد مسكون برغبات لا تشبع؟

وملعون بطموح ناهش يركض نحو هاوية غربته. ليصطدم بشراسة الواقع ومماطلة الذي لا يجيء.

ولا يبقي في نهاية المطاف إلا ذلك الحبل وتلك الشجرة.

ولحظة الاستنارة الرهيبة تلك.

ولكن هل هي حقاً رهيبة؟

أم أنها ليست إلا عبور نحو الأوسع والأرحب.

نحو المشاة اللانهائي.

الحياة بلا قفص، بلا كلابات، بلا دبابيس، بلا ملاقط.

الانفلات إلى ذروة لا تعلوها ذروة.

ومعنى خالص للإفتتان حتى من مفهوم الحرية.

هذا ما أدركه المعلم الصوفي في ارتحاله خارجاً عن جسده ومحوه رغباته الزائلة. وتخليه عن قيوده وزيف ما يحيطه ويكبله. يكتفي بالقليل ليمتلك الكثير من الوهية المشاع.

سيداً بالروح، لا جسد يخدم كالعبيد.

قالت ثقيلة الوزن: آخ يا ليتني طير واطير في فضاء.

قالت الفلبينية وهي منهمكة في عملها: لو كنت طيراً لطرت إلى الفلبين.

قالت الممتلئة: ولماذا الفلبين. أنت طير قادر أن يطير إلى كل مكان.

ردت الفلبينية في لحظة استنارة: صحيح. أنا طير لماذا اطير إلى الفلبين.

سأطير إلى امريكا وارفرف خارج جسدي الجالس على أرض.

 

Fawziyalsalem@hotmail.com