دولة كراتين!

نشر في 26-12-2007
آخر تحديث 26-12-2007 | 00:00
 أحمد عيسى

أحاول منذ مدة فهم بواعث الحساسية الكويتية المفرطة تجاه الممارسة السياسية، فأنا لا أعلم حقاً لماذا ينتاب الجميع الهلع ما إن يدخل نائب إلى مكتب أمين عام مجلس الأمة حاملاً معه صحيفة استجواب بحق وزير؟ ولا زلت أحار وأنا أحاول الربط بين تقديم الاستجواب، وحل مجلس الأمة حلاً غير دستوري لا رجعة فيه.

السيناريو ذاته يتكرر مجدداً، نائب يقدم استجواباً لوزير، الحكومة تؤكد أن الاستجواب حق دستوري، رئيس المجلس يصرح للصحافيين بأن الحل بيد سمو الأمير وحده، النواب يشدّدون على أنهم سيحددون مواقفهم بعد الاستماع إلى المناقشة.

يعود النائب فيؤكد أن استجوابه ليس بغرض التأزيم أو استهداف شخص الوزير، فتشدّد الحكومة على أن الاستجواب لا يعطل عملها، ثم تدور ماكينات طباعة الصحف، فتتعطل معها الأعمال في الوزارات، فالحكومة مشغولة بالاستجواب، ووزير البلدية يساعد وزير المالية، ووزير النفط مهموم باستجواب وزير التربية، وبعد أسبوعين أو أكثر، تخرج البلد جريحة من المعركة كعادتها، ونزداد سقماً من التردي الذي بلغناه.

أحاول منذ مدة فهم بواعث الحساسية الكويتية المفرطة تجاه الممارسة السياسية، فأنا لا أعلم حقاً لماذا ينتاب الجميع الهلع ما إن يدخل نائب إلى مكتب أمين عام مجلس الأمة حاملاً معه صحيفة استجواب بحق وزير؟ ولا زلت أحار وأنا أحاول الربط بين تقديم الاستجواب، وحل مجلس الأمة حلاً غير دستوري لا رجعة فيه.

فدستور 1962 كفل للنائب حق تقديم الاستجواب، كما أعطى للوزير المعني الحق في الرد على صحيفة الاستجواب، وفتح المجال كذلك أمام ثلاثة نواب للحديث في صف الوزير وهو على منصة الاستجواب، ومثلهم في صف النائب المستجوب، فالمعركة هنا متكافئة بين طرفيها، الوزير من جهة ويقابله تحت منضدة الرئيس من يستجوبه.

تُطوى الصفحة وننتهي إلى طلب طرح الثقة، فيبدأ المشهد الثاني الأكثر إيلاما، الحكومة تستجدي النواب للوقوف في صف وزيرها، والنواب يساومونها على مواقفهم، هذا برزمة معاملات وآخر بتعيينات وترقيات، وغيرهم بطرق أخرى أكثر التواءً وبشاعةً، فماذا يكون ردها؟ تلبية مطالبهم، قبل أن يخرج الوزير مستقيلاً، هكذا بكل بساطة ودون أدنى إحساس بالمسؤولية الوطنية لا من الحكومة ولا نوابها.

فنعود ونتساءل عن جدوى وجود ممثلي «الكوتا» السياسية، إذا كانت الحكومة في كل موقف تعود إلى نقطة الصفر، ولماذا تمرر معاملات النواب الذين يضيقون على وزرائها، قبل أن تستجديهم ليقفوا بصفها؟ وما دور وزرائها فيما يحدث؟ وأين نفوذهم داخل قبائلهم وتياراتهم السياسية؟ طبعا جميع التساؤلات تفضي إلى لا إجابة.

ينتهي الاستجواب، ينصرف الجمهور، نخرج من المعركة مستنزّفين، فيتكرر السيناريو نفسه بعد حين، نائب يقدم استجواباً لوزير، الحكومة تؤكد أن الاستجواب حق دستوري، رئيس المجلس يقول للصحافيين إن الحل بيد سمو الأمير وحده، وهكذا في متوالية عبثية لا نهائية، لا يستفيد منها سوى الحكومة ونوابها على حسابنا ومستقبلنا معاً.

اقلبوا الصورة وتأملوها بالعكس، ستجدون أن ميزة أي أزمة سياسية تعترضنا أو نتعرض لها، تأكيدها أن الدولة قائمة على مؤسسات راسخة، لا علب كرتون فارغة، ما إن تهُب أي عاصفة حتى تراها مبعثرة بالفضاء، حتى وإن وقفنا على باب ركب التقدم طويلاً!

back to top