دعونا نستعرض أسماء أعضاء مجالس الأمة المتعاقبة ونتعرف على وظيفة كل منهم السابقة للعضوية، لنعرف كيف أن الواسطة هي أحد مفاتيح النجاح الانتخابي لأكثرية الأعضاء، خصوصاً خلال العمل بالنظام الانتخابي الخمس والعشريني الذي استُبدل أخيراً.مع أن بعض الأجهزة الحكومية طورت من أساليب تقديم خدماتها للجمهور، وعلى الرغم من الحديث الرسمي عن الحكومة الإلكترونية، التي نسمع عنها ولا نراها، إلا أنك لا تستطيع انجاز معاملاتك إلا بالواسطة.
هذا هو الواقع، الذي تتحدث عنه الغالبية العظمى من المواطنين والمقيمين. فحتى الأجنبي الذي يجهل اللغة العربية، فهو حتماً يعرف كلمة «واستة» ويفقه معناها.
حتى أبسط المعاملات تحتاج إلى واسطة. والأمثلة أكثر من أن تُحصى وهذا بعض منها: حجز غرفة في مستشفى أو تحديد موعد مع أخصائي يحتاج الى واسطة، تجديد رخصة القيادة يحتاج الى واسطة، العلاج في الخارج يحتاج الى واسطة، مخالفة مرور من الممكن أن تُلغى بالواسطة، نقل من مدرسة الى أخرى لا يتم إلا بالواسطة، معاملة بسيطة في البلدية لا تُنجز إلا بالواسطة، اتصالات عديدة، من الاتجاهات كلها، للتوسط خلال فترة تسليم درجات الطلبة في نهاية الفصل الدراسي.
بالواسطة تستطيع إنجاز معاملتك وأنت في البيت «ولا يهمك طرش المعاملة مع السايق»، وفي حال مراجعة الجهة الحكومية ولديك واسطة فإنك «تتفضل» تستريح وتنجز معاملتك خلال تناولك «لاستكانة» الشاي، حتى لو كان هناك نقص في بعض المستندات المهمة... كما أن الواسطة أصبحت أيضاً مجالاً للمباهاة، ففلان واسطته قوية وعلان واسطته «ما تفيد». وبعض العلاقات الاجتماعية أصبحت تُبنى على هذا الأساس.
إن بعض كبار المسؤولين، وحتى صغارهم أيضا، يعطلون عن عمد معاملات المراجعين بانتظار الواسطة التي «يستثمرونها» في القادم من الأيام في واسطة (رد الجميل) أو في خدمة مقابلة كالترشيح لجمعية أو ناد أو مجلس.
دعونا نستعرض أسماء أعضاء مجالس الأمة المتعاقبة ونتعرف على وظيفة كل منهم السابقة للعضوية، لنعرف كيف أن الواسطة هي أحد مفاتيح النجاح الانتخابي لأكثرية الأعضاء، خصوصاً خلال العمل بالنظام الانتخابي الخمس والعشريني الذي استبدل أخيراً. أكثر من ذلك، فان هناك «حرباً» بين المرشحين لتركيز المفاتيح الانتخابية في الوظائف الخدمية التي تكثر فيها الواسطة كالبلدية والمرور والصحة والتربية والشؤون الاجتماعية ومراكز الخدمة.
طبعاً الواسطة مؤشر على سوء أداء الجهاز الإدارى وفساده، فالمؤسسة التي تطور من طرق وأساليب تقديم خدماتها، تقل فيها الحاجة إلى الواسطة من أجل الحصول على هذه الخدمات. كما أن الواسطة دليل على عدم الالتزام بالقوانين، فكم من قانون تم تجاوزه بالواسطة. وغالباً ما تكون الواسطة على حساب بقية المراجعين الملتزمين بالقانون. لقد أصبحت الواسطة ظاهرة نفسية-اجتماعية أكثر منها ظاهرة إدارية، فحتى القطاع الخاص لدينا متأثر بذلك، فمثلاً التوظيف في هذا القطاع غالباً ما يحتاج الى واسطة! ودائما ما نسمع «فلان يعرف فلان وراح يعملّك خصم خاص» يعني واسطة.
أما كيف يمكن أن نتخلص من الواسطة وقد أصبحت ليست ظاهرة إدارية فقط، بل ظاهرة نفسية-اجتماعية عامة أيضاً؟ إن ذلك ممكن من خلال إصلاح الجهاز الإداري للدولة، وهو أمر لن يتم قبل الإصلاح السياسي الذي يجب أن يتحقق أولاً.