حرب الأرض المحروقة ومجازر الحرب المفتوحة

نشر في 19-04-2008
آخر تحديث 19-04-2008 | 00:00
 ماجد الشيخ

نحن أمام واقع جديد، يؤشر إلى أن عملية فشل أو إفشال خطة «الشرق الأوسط الجديد» الأميركية، تواجهها واشنطن بمحاولة تحويل الانقسامات الفلسطينية - الفلسطينية والعربية - العربية إلى حروب داخلية مفتوحة.

منذ خروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005، ونوايا حكومتها تتجه إلى تحويل القطاع أرضا محروقة، وذلك حتى لا يحوّله الفلسطينيون إلى نواة دولتهم الموعودة؛ المفترضة وفق وعود الرئيس الأميركي جورج بوش وخريطة الطريق ورؤية الرباعية الدولية، وليس آخرها المبادرة العربية. وبدلا من ذلك حوّل الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني قطاع غزة إلى منطقة تنازع داخلي، لا تكاد تستقر فيه الأمور لطرف حتى يزعزع الطرف الآخر ذاك الاستقرار المخادع، لتعود حالة التنازع الداخلي لتسود مجددا، ناسفة معها كل أسس الاستقرار؛ وسط توجهات حكومة أولمرت لنسف كل إمكان لتهدئة سعت وتسعى إليها حركة حماس وحكومتها المقالة، ولكن من دون جدوى.

وها هو وزير الدفاع إيهود باراك بقبضته الحديدية، يحاول أن يثبت أنه الأجدر بوراثة آرييل شارون؛ من حيث استخدام أقصى قدرة تدميرية وطاقة نارية ضد مدنيين عزّل، بذريعة إطلاق الصواريخ على المستوطنات التي تحيط قطاع غزة، وسط تهديدات باجتياح شامل، أضاف إليها نائب وزير الدفاع ماتان فلنائي إمكان تحويل المعركة في غزة إلى «محرقة أكبر للفلسطينيين» على حد تعبيره.

وهكذا من حرب «الأرض المحروقة» إلى محارق «الحرب المفتوحة» المستمرة والمتواصلة، يجري التمهيد لطرح مجموعة من الأهداف المباشرة؛ الإسرائيلية والأميركية، والسعي لتحقيقها دفعة واحدة. فما يجري في غزة يراد له أن يكون رسالة موجهة إلى «حزب الله» وسورية وإيران، وهذا بحدّ ذاته ما يؤدي عمليا إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، فواشنطن كما إسرائيل تستهدف ضرب مجموعة من العصافير (الأهداف) بحجر «الكارثة الأكبر» بحق الفلسطينيين، كما تسعى واشنطن لاستعمال حجرها لترهيب «حزب الله» وسورية ومن خلفهما توجيه رسالة إلى إيران، ربما كان مفادها أن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة للمغامرة بفرط استقرار المنطقة بالكامل، إذا ما تعرّضت مصالحها ومصالح حلفائها المحليين والإقليميين للخطر!.

وكانت جولة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في منتصف مارس الماضي، أتاحت عودة التساؤلات عمّا تضمّنته المحادثات التي أجراها وزير الدفاع روبرت غيتس مع المسؤولين الأتراك في 28 فبراير الماضي، والتي أعقبها مباشرة إنهاء تركيا عمليتها العسكرية في شمال العراق وإعادة القوات التركية إلى بلادها. خاصّة أنّ تشيني هذا يعدّ أحد أبرز صقور المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية، وهو صاحب الدّعوات الدّائمة لضرب إيران عسكريا، وربّما كانت جولته في المنطقة، تتّصل باحتمال توجّه أميركي جدّي إن لم يكن لاستخدام الخيار العسكري ضدّ طهران، فعلى الأقل استمرار التلويح به، خلال الفترة المتبقّية من عهد الرئيس جورج بوش، لا سيّما أن مجلة «إسكواير» الأميركيّة كانت وصفت استقالة قائد القيادة المركزية الجنرال وليام فالون، بأنّها إزالة العقبة الأكبر أمام الخيار العسكري.

في كل الأحوال يبدو أن «الحرب المفتوحة» الأميركية-الإسرائيلية متواصلة، ومفتوحة على كل الاحتمالات، حتى تلك التي كان بعضهم وحتى وقت قريب يستبعدها من أجندة النزوع العسكريتاري لأطراف «الشرق الأوسط الجديد»، وهي مفتوحة منذ العام 2000، عام الخروج المهين لقوات الاحتلال وعملائها من الجنوب اللبناني، وهي ستبقى مشرعة، لا سيما في ضوء صدور تقرير لجنة فينوغراد ثأرا لهزيمتها في حرب يوليو العام 2006، وردا على إخفاقات جيشها بما يعيد إليه قوة ردعه وهيبته، تلك التي يحاولها اليوم في قطاع غزة، من دون أن تجدي كوارثه وحرائقه في إخماد جذوة الكفاح الوطني التحرري للشعب الفلسطيني.

ولئن أريد لعمليات الاجتياحات والاغتيالات المتواصلة، التي توّجت بالحرب القذرة ضد قطاع غزة، خلال الفترة القصيرة الماضية، أن تكون مفتتحا لبدء محاولة وضع توصيات تقرير لجنة فينوغراد موضع تلافي إخفاقات تلك الحرب، بهدف استعادة قوة ردع وهيبة ذاك الجيش، ومعه محاولة استعادة قوة ردع وهيبة الولايات المتحدة بجيشها وبوارجها ومدمراتها بعد أن تلطخت سمعتها الاستراتيجية في أوحال العراق منذ اجتياحه في العام 2003، ها هي واشنطن وعلى أعتاب انتهاء عهد الرئيس جورج بوش تحاول مرة أخرى، وجديدة، محاولة توظيف أو التلويح بقوتها العسكرية؛ دفاعا عن مصالحها الاستراتيجية المهدّدة في كامل منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط، في لحظة سياسية فلسطينية تنقسم فيها القوى وتنشطر الأرض؛ وفي لحظة سياسية لبنانية يعتقد بعضهم أنها مواتية، لتدخل دبلوماسي وسياسي أميركي لحسم خيارات ما؛ لمصلحة قوى محلية حليفة.

في هذه اللحظة السياسية، تستهدف الولايات المتحدة وتحالفاتها العربية الإقليمية منها والدولية، عبر حراكها وتحركاتها الدبلوماسية والعسكرية؛ الدخول إلى مرحلة عزل سورية ومحاولة فكفكة تشابكات تحالفها مع إيران، والاستمرار في عزل غزة عن الضفة الغربية، أي مواصلة إفقاد موضوعة الدولة الفلسطينية مقوّماتها، ما يساهم في ضعضعة الموقف الفلسطيني، عبر الدفع بانقساماته إلى الحد الأقصى الذي تستفيد منه إسرائيل على المدى البعيد، فيما يجري إغراق المنطقة بكاملها في لجة العماء الذي لن تجدي معه أي توجهات سياسية أو عسكرية عاجزة عن إنتاج أي حل ممكن؛ بالحوار أو التفاوض أو عبر استخدام القوة العسكرية المفرطة.

وفيما تقود إسرائيل الوضع في غزة إلى محرقة، فإن الإدارة الأميركية التي ستغادر البيت الأبيض بعد أقل من عام، تحاول اليوم ومن جديد؛ أن تقود الوضع الدولي والإقليمي إلى الصدامات العنيفة، فيما هي تواصل حروبها المفتوحة، جرّاء إخفاقاتها المتناسلة من عدم تحقيقها «شرقـها الأوسط الجديد»، ذلك الذي تأمن فيه إسرائيل على نفسها، ضمن باقة أهداف الأمن القومي الأميركي والمصالح الاستراتيجية في هذه المنطقة والعالم.

باختصار: نحن أمام واقع جديد، يؤشر إلى أن عملية فشل أو إفشال خطة «الشرق الأوسط الجديد» الأميركية، تواجهها واشنطن بمحاولة تحويل الانقسامات الفلسطينية - الفلسطينية والعربية - العربية إلى حروب داخلية مفتوحة؛ أهلية وسلطوية وإقليمية، أو اختلاطها وامتزاجها بحروب المذاهب والطوائف والإثنيات... إلخ. المهم الابتعاد عن منطق أو الانخراط في وقائع ومعطيات الحرب أو الحروب الوطنية، وتحييد إسرائيل والمصالح الأميركية من دائرة الاستهدافات الحربية، وإدخال «الخطر الإيراني» واحدا من مسبّبات الحروب الداخلية، واختلاط السياسي والديني فيها، للابتعاد عن وقائع ومعطيات الصراع الوطني ضد إسرائيل؛ إذا كان هناك من لم يزل يضع مثل هذا الصراع ضمن أولوياته الأكثر إلحاحا.

* كاتب فلسطيني

back to top