الفتوى... هل هي سلطة فوق السلطات الدستورية؟
لا نرى أي علاقة بين الفتاوى الدينية المسيسة والموضوع السياسي الدستوري الذي تحكمه في الغالب قوانين ولوائح وضعية متغيرة، إلا إذا سلّمنا بأن دور المفتي الديني لكل جماعة دينية سياسية يلغي الدور السياسي لعضو البرلمان، ليكون بذلك سلطة فوق السلطة الدستورية، وفي هذه الحالة فإنه لا داعي للدستور والديموقراطية!!
في مسعاها لإعلان نفسها حزباً سياسياً ومن أجل موافقة النظام المصري لها بالعمل العلني كحزب مثل بقية الأحزاب السياسية هناك، أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، منذ مدة قصيرة، عن مسودة أو مشروع برنامجها السياسي لأول مرة منذ إنشائها على يد حسن البنا في العام 1928. وورد في البرنامج قضايا كثيرة لم تحدد الجماعة موقفها منها بشكل واضح بل صاغتها، كما هي عادتها، بشكل غامض يحتمل أكثر من تفسير. كما لم تفصل جماعة «الإخوان المسلمين» بين الدور الديني الدعوي والدور السياسي المتغير باستمرار فلايزال الرابط بينهما قائماً. ومن أبرز ما يسترعي الانتباه هو ما ذكرته المسودة من إلزامية أن يكون هناك هيئة منتخبة من كبار علماء الدين يتوجب على السلطة التشريعية ورئيس الجمهورية أو السلطة التنفيذية حين ممارسة سلطاتهم الدستورية مراجعتها للحصول على موافقتها، فلا تُقر القوانين إلا بعد موافقة هذه الهيئة.. لتصبح بذلك بمنزلة سلطة فوق السلطات الدستورية وتستطيع تفسير مواد الدستور حسب رؤيتها الدينية الخاصة، وبهذا تحل محل المحكمة الدستورية وتلغي الدستور عملياً!! وهو ما يتناقض كلياً مع مدنية الدولة ويتشابه مع ما يسمى «مجلس صيانة الدستور» فى دولة ولاية الفقيه فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي ينتخبه بشكل غير مباشر مجلس الخبراء الذي يضم صفوة من رجال الدين ويتولى، من وجهة نظر دينية، «فلترة» القوانين التي تقرها السلطتان التشريعية والتنفيذية .وإذا ما عرفنا أن جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر هي المركز الموجه لجماعات «الإخوان المسلمين» كافة في العالم مع اختلاف مسمياتها، فلنا أن نتساءل هنا: هل يختلف طلب ممثل «الإخوان المسلمين» النائب الفاضل دعيج الشمري لفتوى دينية لكي يحدد بناء عليها موقفهم السياسي من طلب طرح الثقة و«موجة» الفتاوى اللاحقة، عما ذهبت إليه مسودة برنامج حزب «الإخوان المسلمين» في مصر؟والجدير بالملاحظة هنا كثرة الفتاوى الدينية السياسية التي تتناقض مع بعضها بعضاً أحيانا كثيرة و«تفصّل» في بعض الأحيان لتتماشى مع الظرف السياسي المرحلي وما «تطلبه» الجماعة. فمَن منا لا يتذكر موقف «الإخوان المسلمين» في الكويت من إعطاء المرأة حقوقها السياسية، الذي كانوا يرفضونه في البداية على أسس قالوا إنها دينية ثم عندما رأوا أن المشروع على وشك أن يُقر صرحوا بأن موقفهم منه هو موقف اجتماعي وليس دينياً؟! كما أن المتابع لما نشر في الصحافة أثناء تحديد الموقف من عملية التصويت على طلب طرح الثقة عن وزيرة التربية والتعليم العالي يلاحظ تباين مواقف مفتي الجماعات السلفية، فموقف التجمع السلفي مثلاً متناقض داخلياً في ما بينهم من جهة، ويتناقض أيضاً مع الجماعات السلفية الأخرى كجماعة «ثوابت الأمة» والحركة السلفية، من جهة أخرى. لذلك، فإننا لا نرى أي علاقة بين الفتاوى الدينية المسيسة والموضوع السياسي الدستوري الذي تحكمه في الغالب قوانين ولوائح وضعية متغيرة، إلا إذا سلّمنا بأن دور المفتي الديني لكل جماعة دينية سياسية يلغي الدور السياسي لعضو البرلمان، ليكون بذلك سلطة فوق السلطة الدستورية، وفي هذه الحالة فإنه لا داعي للدستور والديموقراطية!! فهل هذا هو ما تطمح إليه التيارات الدينية السياسية باختلاف مسمياتها؟!