Ad

أحسب جازماً بأن مبادرة الحكومة الرشيدة بسحب قانون التجمعات السيئ الذكر لا تقلل من شأنها، ولن تضير من صيتها وسمعتها لدى معشر المواطنين بعامة، ولدى نواب الشعب بخاصة، فالرجوع إلى الحق فضيلة تحسب لمصلحتها، ولطول عمرها القادم.

* كنت وعدت القراء الأحد الماضي، بالكتابة اليوم عن قانون التجمعات السيئ الذكر، لكن الحكومة الرشيدة، ارتأت أن يكون لها من اسمها نصيب، فبادرت بسحبه غير مأسوف عليه! فأدى قرارها الراشد الحكيم إلى إطفاء فتيل جذوة التأزيم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن هنا فإننا نثمن هذه الاستجابة، رغم أنها تمت في سياق «مكره أخاك لا بطل»! لأن القانون إياه جوبه برفض جماعي عارم من قبل ألوان الطيف السياسي كافة، كما تبدى ذلك في الحراك الوطني السياسي المكرس لرفضه، وفضح سوءته اللادستورية وغير الديموقراطية! وأحسب جازماً بأن مبادرة الحكومة الرشيدة لا تقلل من شأنها، ولن تضير من صيتها وسمعتها لدى معشر المواطنين بعامة، ولدى نواب الشعب بخاصة، فالرجوع إلى الحق فضيلة تحسب لمصلحتها، ولطول عمرها القادم، فلو أنها تشبثت بوجوده، فربما أفضى ذلك إلى أن يكون عمرها أقصى من عمر الوليد الذي يموت وهو رضيع في مهده، فيكون مهده هو لحده!

والحق أن موقف الحكومة شجاع جدا، لا سيما أنه مستمد من الآية الكريمة «والله لا يستحي من الحق» وبذا تكون قد كسبت رضا الله سبحانه وتعالى، فضلا عن رضا الشعب! فالحق أحق أن يتبع، كما أن الحق أبلج والباطل لجلج! وفي هذا السياق يقول الشاعر:

ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا

وأنك تلقى باطل القول لجلجا

* إن هذا القانون القمعي السيئ الذكر الذي يسكن في ذاكرة المواطنين ووجدانهم يشكل ردة غير ديموقراطية ولا دستورية، كما أفتى خبراء الفقه الدستوري وأعلنوه عبر وسائل الإعلام، فضلاً عن أن المحكمة الدستورية هي الأخرى قضت بعدم دستوريته، وهذا يفسر الغضبة المضرية العارمة التي جوبه بها من الشعب، ونوابه السابقين، واللاحقين الذين سيختارهم الناخبون، من جراء موقفهم الرافض له. ولذا لا بأس علينا، نحن معشر المواطنين، إذا اعتبرناه بمنزلة كذبة أبريل بأثر رجعي! وهي المبرر الوحيد الذي يمكن لنا أن نبلعه عنوة إلى حين انتخاب المجلس الجديد! ولو لم تقم الحكومة بالتراجع عن قرارها، لكتبت على نفسها أن تكون في مصاف الدولة الشمولية والعياذ بالله... والذي لا نتمناه لها، لا سيما أن الدولة الشمولية باتت ترقد في متحف التاريخ، غير مأسوف عليها!

وفي الأيام التي سبقت قرار الحكومة الرشيد، تداعى إلى ذاكرتي رواية 1984 لجورج أرويل المرعبة المتمحورة حول الدولة الشمولية، النافية للحريات العامة، والتي كانت سائدة طوال القرن العشرين، إلى حين سقوط الاتحاد السوفييتي! ولعله من نافل القول: التنويه بأن التاريخ لا يعيد نفسه، كما أن مسيرته لا تعرف النكوص ولا الردة، أيا كانت المبررات المسوغة لها، كأن تزعم بأن قانون التجمعات فرضه حكم الضرورة! ناسية ومتناسية أن هذه الضرورة لا تكون كذلك إذا كانت تحمل في طياتها ضرراً وتعدياً على مواد الدستور، وتسعى إلى «كلبشة» الحريات العامة بأصفاد المنع والمصادرة والقمع، وكل ما يؤدي إلى تفريغ الدستور من محتواه المنصف! وقد سبق لنا مكابدة هذا القانون، ومعاناة تداعياته المأساوية بدءاً من 1979، مروراً بعقد الثمانينات... إلخ، إلى حين حدوث كارثة الغزو الصدامي!

ومع أننا لا نروم هنا نكء جراح الماضي البغيض، لكننا نقول إن الشعب لن يسمح بأن يلدغ من جحر قانون التجمعات مرتين! وقد أحسنت الحكومة صنعا حين جنبت الشعب مكابدة اللدغة ثانية!