Ad

إن الحريّ بالاستجواب بشأن حادثة الاغتصاب هو: ضميرنا الاجتماعي العام... فهل يجرؤ المستجوبون على ذلك المنحى؟! آمل ذلك وأشك فيه في آن! والشك مرده أن محاكمة ضميرنا الجمعي لن توفر أحداً مهما «تمترس» بحصانة يظن أنها تدرأ عنه «شبهة» أولاد آدم العاصي الأول ولا فخر!

* بصراحة شديدة، ولو أفضت بي أن أكون عـ«الحديدة»: أحسب أن الناس ملّوا مسلسل «توم وجيري» الذي تشخصه الحكومة الرشيدة ومجلس الأمة الراشد! ولا تسألني أيهما «توم وأيهما جيري»، أقول ذلك لأن الحكومة الرشيدة تجابه الاستجواب بالهروب إلى الأعلى والأمام ممتطية دابة التدوير أو طيارة الاستقالة، بدعوى رغبتها الحميمة في إخماد جذوة التأزيم الرجيم!

والغريب أن المجلس الراشد يفرح بهذه النتيجة، وكأن الغاية من الاستجواب تكمن في تغييب الوزير عبر الاستقالة أو التدوير! ولابأس على محاور الاستجواب إذا ظلت تراوح مكانها من دون حسم!

وما دام الأمر كذلك أتساءل: ما مبرر مسلسل الاستجوابات التي تهطل على رأس الحكومة الرشيدة في كل حين؟! فهل استقالة الوزير هي غاية الاستجواب والمستجوبين حين تحدث إثر طرح الثقة في معالي السيد الوزير المستجوب؟!

من جانب آخر لمَ لا تتيح الحكومة الرشيدة الفرصة للوزير لكي يجابه الاستجواب بالتفنيد، وكل عدة وأدوات المناظرة الساعية إلى إبراء الذمة، وإشهار المعلومات الصحيحة، وتفسير ما يستوجب الإضاءة والشفافية التي قد تفضي إلى فشل الاستجواب... أو تعرية سوءة محاوره على الأقل، ثم إصلاح الحال «المايل» الذي نهض على أساسه الاستجواب؟!

لكن يبدو أن النواب المستجوبين يريدون «قتل الناطور لا الحصول على العنب» بحسب القول الشعبي الدارج! والظريف، إن كان ثمة طرافة في الموضوع، هو أن الاستجواب يبدأ قبل موعده المحدد بحرب نفسية شرسة مدججة بعدة هذه الحرب وتقنياتها، قوامها: الإشاعة والنكتة الساخرة اللاذعة، والتهديد والوعيد بطرح الثقة، وغير ذلك من سبل ووسائل هذه الحرب. ولم يبق سوى تهديده باللجوء إلى «الاستقالة» من الحياة الدنيا بطريقة «الهاريكارني» اليابانية!.

* إن الاستجوابات السابقة مارست مهمتها بأثر رجعي، تحاسب الوزراء المستجوبين عن أخطاء وممارسات غير قانونية، وقعت في عهود سابقة، لوزراء سابقين، بعضهم رحلوا عن دنيانا منذ مدة! ولذا يبدو أن الاستجواب مكرّس لهم وليس للوزير الحالي الواقف على منصة الاستجواب! ومادام الأمر كذلك فلمَ لا يقوم مجلس الأمة باستجواب الوزراء السابقين بالجملة حماية لوقته الثمين ودرءاً لتبديده في سجال لا طائل منه؟!

ولا يظنّ ظان أنّ العبدلله ضد الاستجواب لا سمح الله، غاية ما هنالك أن يتم الاستجواب بالاتكاء على محاور تخص الوزير الحالي لا سلفه الذي سبقه في تأبط «بشت» الوزارة وحمل حقيبتها! ورغبة من الكاتب في إثراء محاور الاستجواب، وتنويعه بعناصر مدججة بعلامات الاستفهام والتعجب، لعلها تكون مفيدة للمستجوبين الأشاوس! خصوصاً إذا كانت النية متجهة إلى ضم فعلة «العارضية» النكراء إلى محاور استجواب السيدة «تاتشر الصبيح» وزيرة التربية والتعليم العالي! لاسيما أن السوابق دلّلت على أن الوزير المستجوب في عرف مجلس الأمة الراشد: مسؤول أدبياً ومعنوياً وسياسياً عن كل خطأ حدث ويحدث في جنبات وزارته: أمس واليوم وغداً!

لذا من حق وواجب المستجوبين الاستعانة بأفكار العبدلله «النيرة» لعلها تفضي بأن يهتف الاستجواب على مسامعها مقولة «خليك في البيت» جزاءً وفاقاً على عدم حمايتها أطفالنا الأبرياء من الاعتداء الآثم! كأن تسأل - في هذا السياق- عن عدم تعاقد الوزارة مع عمال نظافة «شياب عواجيز» انتهى عمرهم الفحولي الافتراضي! أو أن يتم فحصهم للتأكد من إصابتهم بالعنة والعجز الجنسي! أو أن يكونوا من «الخصيان» الذين كانوا يخدمون في «حرملك» قصور سلاطين بني عثمان إبان دولة الخلافة العثمانية زد على ذلك سوالاً:َ لِمَ أهملت الوزارة تزويد تلاميذ الابتدائية بحفاظات جلدية صلبة تضاهي حزام العفة الذي خبرته بريطانيا «العضمة» حالياً والعظمى سابقا في العهد الفيكتوري المحافظ؟! وهل ثمة علاقة عضوية بين فعلة الاغتصاب وهتك العرض، وبين اغتصاب حقوق عمال النظافة المادية، وهتك عرض آدميتهم المستباحة من مافيا مقاولي الأنفار جهاراً نهاراً، من دون خشية من مساءلة وعقاب؟!

* ويمكن للمستجوبين محو وشطب ما دبجته من أفكار نيّرة مضيئة، بجرة ممحاة تحيله أثراً بعد عين! ولا بأس عليّ من «المحاية»! ذلك أن الحقيقة يستحيل حجبها بمنخل، على قولة القائل: أقول ذلك، لأن وزارة التربية دأبت -في جل عهودها- على نفي أي خبر أو معلومة تنشر بشأن ما يجري في أروقة ودهاليز المدارس، فضلاً عن «بيوت الأدب» فيها كرمكم الله!

حسبنا التذكير، على سبيل المثال، بنفي الوزارة لواقعة تدخين بعض طلاب الثانوية السجاير في عقر الحرم المدرسي! وبعد سنوات لحقه نفي واقعة تعاطي الطلاب العقاقير المخدرة وغير ذلك من ممارسات غير صحية ولا سوية ألفت الوزارة نفيها الجاهز بداعي عدم ترويع بقية الطلاب وذويهم! وهي حجة باتت كما الأسطوانة المشروخة الممجوجة!

نعم إن السيدة الوزيرة مسؤولة سياسياً عن واقعة الاغتصاب، لكن هذه الحقيقة لا تعفينا جميعاً من المسؤولية، كل بقدر موقعه وضميره، ومدى إحساسه بالمواطنة المنطوية على الضمير الاجتماعي العام، ومن هنا فإن الحريّ بالاستجواب بشأن حادثة الاغتصاب هو: ضميرنا الاجتماعي العام... فهل يجرؤ المستجوبون على ذلك المنحى؟! آمل ذلك وأشك فيه في آن! والشك مرده أن محاكمة ضميرنا الجمعي لن توفر أحداً مهما تمترس بحصانة يظن أنها تدرأ عنه «شبهة» أولاد آدم العاصي الأول ولا فخر!

يقول أستاذنا: الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة في كتابه القيم «ثقوب في الضمير» الصادر عن دار الشروق 1993- القاهرة. يقول: «لست أجد معنى للضمير -عاماً كان أو خاصاً- إلا هذا التعبير القرآني العظيم «النفس اللوامة» الرقيب الخاص داخل كل إنسان أو «الأنا الأعلى» التي تحاسب الإنسان في داخله حساباً عسيراً، عما بدر منه من ممارسات وسلوكيات يأباها الضمير العام أو الخاص». صحيح أن المبحث التحليلي يتحدث عن الثقوب التي حدثت في الضمير الاجتماعي «المصراوي»، ولكن القارئ العربي سيقرأه كما لو أنه يشخص أسباب ثقوب الضمير العام في الأقطار العربية كافة، لأن «القلب» إذا ابتلي بالأمراض والعلل تداعت له بقية «الأعضاء العربية» بالشكوى من العلل نفسها!

وإذا كان من حقنا وواجبنا أن نغضب الغضبة المضرية العارمة ضد اغتصاب تلاميذ الابتدائية، وجب علينا اتخاذ الموقف نفسه ضد اغتصاب حقوق العمال، وتجاه هتك عرض آدميتهم التي وردتنا بشأنها احتجاجات حقوقية دولية، ولفت نظر من المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.