يحرص الكويتيون غالباً على الالتقاء في «المهجر المؤقت» في أماكن محددة من المناطق السياحية، من أجل الحفاظ على تراث السهرات والسمرات الكويتية ومناقشة الشؤون السياسية تحديداً، حتى لا تفوتهم الأحداث والتطورات وتحليلاتها.السياسة في الكويت أصبحت نمط حياة، وتحولت إلى ما يشبه الغذاء الروحي واليومي الذي يتفاعل معه الكثير من حركاتنا وسكناتنا، ووصل الإفراط في السياسة ليشمل حتى السفر في الصيف، فالمقتدوين مالياً وتحت ذريعة الهروب من التشنج السياسي يشدون الرحال فور عطلة المدارس إلى منتجعاتهم وفللهم المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، أما الأغلبية العظمى من المواطنين وتحت الضغط النفسي و«حنة ورنة العيال وأم العيال» يبدؤون يضربون الأخماس في الأسداس للخروج بسفرة.
وتبدأ المحاولات أولاً، بالبحث عن سفرة مجانية أو مساندة، إما عبر بوابة العلاج بالخارج، وإما مرافقة مريض، وإما حصول أحد الأبناء على منحة دراسية، وإما التدافع عن طريق مهمة رسمية من جهة العمل... وإذا باءت هذه المساعي بالفشل يكون الخيار الأخير اللجوء إلى الاقتراض، لعل وعسى يأتي اليوم الذي تسقط فيه القروض عن المواطنين، ولك أن تتخيل الأعباء السياسية من تدخلات واتصالات ووساطات على النواب والوزراء ووكلاء الوزارات لتمرير فصل الصيف بسلام، فضلاً عن الكلفة المالية لمثل هذه «السفرات المجانية».
ومن ناحية ثانية، جرى العرف الكويتي أن يتم الإعلان عن السفر في الصحف ومن خلال الرسائل القصيرة أو «المسجات» حتى يعرف المجتمع أن الشخص الفلاني قد سافر إما منفرداً وإما بصحبة العائلة الكريمة، وحتى بعض الكتّاب يذيل مقالاته باسم العاصمة التي يصيف فيها حتى يعلم الجميع أنه خارج البلاد، بل ويحرص الكويتيون غالباً على الالتقاء في «المهجر المؤقت» في أماكن محددة من المناطق السياحية من أجل الحفاظ على تراث السهرات والسمرات الكويتية ومناقشة الشؤون السياسية تحديداً، حتى لا تفوتهم الأحداث والتطورات وتحليلاتها.
وأيضاً يجب على السفارات الكويتية في الخارج أن تكون في حالة استنفار كامل خلال عطلة الصيف لتلبية احتياجات المواطنين، ولا بد أن يظل السفراء في أماكن عملهم لافتتاح ديوانيات صيفية لاستقبال «المصطافين»، وبالتأكيد التداول في القضايا السياسية، التي كانت الحجة الأولى لابتعاد الجميع من أجوائها عند عزم الأمر في السفر.
أما أعضاء مجلس الأمة فموقفهم لا يحسد عليه في كل الأحوال ويقعون في مأزق حقيقي سواء اختاروا السفر أو قرروا البقاء في الكويت، فإذا سافر النائب فإنه يُلام على تركه لناخبيه وهمومهم ومشاكلهم والتهرب من قضاء حوائجهم، وخصوصاً خلال فترة الصيف حيث موسم العلاج بالخارج، والقبول في الكليات العسكرية، ونقل المدرسين والموظفين وغيرها، وحتى أثناء السفر فعلى النائب حضور التجمعات الكويتية والمشاركة في أي فعالية يقيمها المصطافون من مآدب وعزومات، وعليه أن يحْييها بالندوات والمناقشات السياسية أيضاً.
أما إذا ظل في البلد فإنه يعاتب أيضاً من باب الرأفة عن سبب بقائه وعدم السفر للاستراحة من زخم الهموم والتعب، كما يزيد عليه عبء طلبات المواطنين بحجة سفر نوابهم الأصليين في هذه الفترة.
وأخيراً، فإن السؤال الكبير الذي يبقى محل اهتمام واستغراب الجميع لمن قرر البقاء في البلد، هو عن أسباب عدم السفر هذا الصيف ولعل المانع خير!!
هذه بعض ملامح ثقافة السفر الكويتية المشبعة بالسياسة، وهي ليست بالتأكيد ظواهر عامة تشمل الجميع، بل إنها ليست سلبية حتى في حالة وجودها لأنها حالة تلقائية وعفوية تعكس نمط الحياة التي اعتدناها، ومع تمنياتنا للجميع بسفر حميد وعودة آمنة بإذن الله.