Ad

أثبت التعامل الرسمي مع ملف حقوق الانسان، لاسيما التعامل مع الاتهامات التي توردها التقارير الدولية، أنه تعامل بيروقراطي وغير متخصص سببه ضعف بنى مؤسسات حقوق الإنسان، وعدم التفاعل الايجابي مع مبادئ 22 اتفاقية وقعت عليها الكويت بهذا الشأن بدءاً من عام 1961.

التشاور والتنسيق الخاص بإنشاء هيكل مركزي يختص بحقوق الانسان بين وزارات الخارجية والعدل والشؤون الاجتماعية والعمل بناء على اقتراح من الأخيرة يعد تطوراً جديدا في التعامل الرسمي مع ملف حقوق الانسان الذي طالما ألقي كمهمة على جهات مختلفة، وأخذ شكل لجان غير ذات فاعلية تعمل باسلوب رد الفعل.

في منتصف ديسمبر من العام الماضي، اي قبل اقل من شهر تحديدا، طالعتنا الصحف المحلية يفيد بأن وزارتي الخارجية والعدل خاطبتا وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في شأن دعمها مقترح الاخيرة بإنشاء جهاز مركزي بدلا من لجنة عليا لحقوق الانسان، وتضمن الخبر معلومات عن الاختصاصات المقترحة، وتشكيل الهيئة، والرغبة في إلغاء جميع اللجان السابقة منعا لتضارب الاختصاصات. بيد أن الموضوع الرئيسي والمهم فيما نشر هو تبعية الجهاز المسمى بـ«الهيئة الاستشارية العليا لحقوق الانسان» للحكومة من خلال ترؤس وزير العدل له، بحيث يكون في عضويته ممثلون عن جهات حكومية ذات صلة بقضايا حقوق الانسان وشخصيات وطنية من ذوي الخبرة.

ونظرا لكون ما يسمى بـ«اللجان الوطنية لحقوق الانسان» موضوعاً تم بحثه على مستوى دولي ويتضمن من الخبرات المتوارثة الشيء الكثير، فإن الاطلاع على هذا الإرث والنقاش الدولي ممثلاً في خبرات منظمة الامم المتحدة المستندة الى مناقشات المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1946، اي قبل صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 ونتائج العديد من المؤتمرات الدولية التي عقدت من اجل هذه القضية المهمة يعد شيئا ضروريا ونحن نفكر في انشاء مؤسسة وطنية تهتم بقضية حقوق الانسان محليا.

المفوضية العليا لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة تقدم خدمات استشارية تقنية للحكومات في المجال الذي نتحدث عنه، وتؤكد على الدوام ان الاختلافات الثقافية والسياسية والتاريخية والاقتصادية تفرض نوعا من الصعوبة في ان يكون شكل مؤسسات حقوق الانسان موحداً، وتؤكد المفوضية في ادبياتها انه لا توجد مؤسسة مثالية او نمطية يمكن نسخها في جميع البلدان، انما يدور الحديث دوما عن الارشادات العامة والتوجهات الرئيسية لبناء تلك المؤسسات.

وعلى هذا الاساس يمكن لدولة الكويت ان تسترشد بتلك التوجهات من خلال عضويتها في الامم المتحدة وتمتعها بخدمات العديد من الاجهزة التابعة لها.

ويبدو ان الشكل المطروح لانشاء الهيئة الاستشارية لحقوق الانسان في الكويت لا يعدو كونه مؤسسة حكومية ذات مسؤوليات محددة قد لا تصل الى محاكاة الواقع وتلمس قضايا من يعيشون على ارض الكويت الذين يزيد مجموعهم على 3 ملايين نسمة، وهنا تطرح المقاييس الدولية مسألة «الفاعلية» لاي مؤسسة وطنية لحقوق الانسان، والتي تحمل ست صفات هي: الاستقلال، الاختصاصات المحددة والسلطات الملائمة، وإمكان الوصول إليها، والتعاون، والفاعلية في التنفيذ، والمساءلة.

وهنا يمكننا القول بأن درجة ادنى من القوانين التي صدرت بحق مؤسسات وطنية كويتية اخرى كديوان المحاسبة مثلا لن تكون مفيدة لتدشين هيئة لحقوق الانسان، على ان يضمن هذا القانون تبعية رمزية للحكومة او لمجلس الامة بصفته جهة تشريع ورقابة، بحيث تعطى الهيئة استقلالية مناسبة للعمل والتنفيذ والتحقيق وتقديم التقارير إلى كل من الحكومة والسلطة التشريعية، وتكون تلك التقارير واجبة التطبيق في مجالات التشريع والمحاسبة، وينبغي هنا التشديد على مسألة التعيين والتوظيف في جهاز بالمواصفات التي ذكرت. فالصيغة المطروحة في مراسلات الوزارات الثلاث لن تجدي نفعا، لذلك فإن الشروط العامة في هذا المجال يجب ان تتضمن طريقة التعيين ومعياره ومدته، وما اذا كان من الجائز اعادة التعيين للاعضاء، ومن الذي يجوز له اقالة الاعضاء، ولأي اسباب، اضافة الى ذكر المزايا والحصانات.

وفي هذا الصدد تؤكد مفوضية حقوق الانسان في الامم المتحدة ان طريقة التعيين يجب ان تكون حاسمة لكفالة الاستقلالية، ومن الافضل ان يعهد بهذا الامر الى البرلمان او إلى هيئة مماثلة رفيعة المستوى.

وعلى صعيد اخر يجب ان تحدد الاختصاصات بدقة على ألا تغفل موضوع تلقي شكاوى كل من يعيش على ارض الكويت، كما يجب اعطاء المؤسسة خيار فرض عقوبات قانونية او ادارية في الحالات التي تجري فيها عرقلة حرية المؤسسة الوطنية في ممارسة سلطاتها.

ولعل الحوار الوطني الكويتي مطلوب اليوم لمناقشة هذه القضية انطلاقاً من المشاورات الوزارية الجارية، والاقتراح بقانون الذي تقدم به اعضاء في مجلس الأمة في منتصف التسعينيات رغم كونه يجعل من الهيئة مؤسسة تابعة لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل، وهو ما ابدت لجنة الدفاع عن حقوق الانسان تحفظها عليه، في تقريرها الصادر في ابريل 2000 مبينة تجارب تأسيس هيئات مستقلة بقانون مستقل كمؤسسة التقدم العلمي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وبيت التمويل الكويتي، وشركة الاتصالات الكويتية.