تثير المراجعات الفكرية لتنظيم «الجهاد» المصري عددا من ردود الفعل المتباينة داخل الأوساط السياسية والفكرية، وحتي الآن لم يستوعب الكثير من الأنصار والخصوم أن تقدم القيادات التاريخية للجماعة المسلحة سابقا نقدا ذاتيا، يقر بأخطاء جوهرية في التعاطي مع المشهدين الاجتماعي والسياسي في البلاد.

Ad

ففي يوليو من عام 1997 أعلنت «الجماعة الإسلامية» في مصر مبادرتها الشهيرة لوقف العنف، ورغم العقبات التي اعترضت طريق المبادرة فإنها نجحت في نزع فتيل العنف بين الجماعة والدولة.

وبعد عشر سنوات يعلن تنظيم الجهاد (الأكثر راديكالية وتشددا) مراجعاته، ويقود سيد إمام، وشهرته «الدكتور فضل»، فقيه تنظيم الجهاد، مبادرة «ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم وفق الضوابط الشرعية».

البعض تعامل مع كتاب «الدكتور فضل» على أنه نقطة تحول خطيرة في طريق المراجعات الفكرية التي تمر بها الحركة الإسلامية الآن، في حين اعتبره البعض الآخر رسالة عادية لن تقدم أو تؤخر، بل هناك من وصفها بصفقة مع الأمن للإفراج عن المعتقلين، وحذر البعض من خطورة هذه الخطوة مشككا في مصداقيتها، ولكن الجميع يتفق على أن الإعلان عن هذه المراجعات خطوة مهمة تستدعي المناقشة.

ويرى نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الباحث والمفكر د.محمد السيد سعيد أن المراجعات عموماً سواء ما قامت به الجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد لها أهميتها في طمأنة الشعوب العربية، بمعنى أن موجة الإرهاب التي تستهدف النظام والمدنيين ورجال الأعمال قد انتهت، وفي الأمل القريب لن يكون هناك عودة لأسلوب العنف، وبوجه عام هي مراجعات أصيلة ستنهي حالة الحرب الأهلية التي استمرت طوال التسعينيات، والجانب الثاني من الصورة فإن بها مراجعة فقهية أصيلة تتمثل في إدراكهم السياسة وأن فكرهم أصبح متحرراً جزئياً عن العنف، وأصبحت هناك رؤية للإصلاح مما يعتبر إنجازاً مهما،ً فقد حدث تحرير لمفهوم الجهاد، وهنا دلالة أوسع بمعنى أن تجربة الشباب الذي تعرّف على الفقه الإسلامي الكلاسيكي عادة ما ينتج عنفاً. والانطباع الأول عن الفقه عنفوي، ولم ينتج مفهوما سلاميا للإسلام، بالرغم من أنه أمر أساسي في التجربة المحمدية، حيث ان مفهوم السلام مركزي جداً.

ويرفض محمد السيد سعيد القول بأنها صفقة ارتبطت بالأمن رغبة في التخلص من مرحلة السجن، ويقول القضية أكبر من هذا، فقد فهموا أصول الفقه بعدما قضوا فترات عقوبة في السجون اطّلعوا فيها على الأصول السليمة للفقه، بالإضافة إلى أنهم تأكدوا من أن الدولة المصرية ليس من السهل هزيمتها بوسائل الإرهاب، والإرهاب عموماً لم ينتصر على مر التاريخ إلا في فترات هامشية جداً، كما حدث مع الفرقة الإسماعيلية وحركة الحشاشين التي نبذت العنف، حيث جاءت بعد قيادة جديدة نقلتهم من العنف المطلق، للوداعة المطلقة، وأصبحوا أخيراً أمام اختيارين: إما إعادة بناء التنظيم بصورة سلمية أو إنهاؤه.

ويقول الباحث والمحلل السياسي د. عمرو الشبكي «هذا المشروع حقيقي وفيه إخلاص، ولا أشم فيه رائحة الصفقة ولا نستطيع أن نعتبره تهدئة لتجاوز أزمة معينة، قد يكون هناك ضغوط ما، لكن هي مراجعات حقيقية لأن الشيخ سيد إمام صاحب مشروع جهادي نتج عنه تنظيم الجهاد واستهدف هذا المشروع إسقاط النظام القائم والوصول الى السلطة وإقامة دولة إسلامية، ودخل في مواجهات عنيفة مع الدولة ورموزها وقادتها، وخسر هذه المعركة ودفع ثمن أفكاره باهظاً، موت عناصره أو سجن بعضهم لفترات طويلة، إذن نحن أمام تنظيم لم يحقق أهدافه وخسر معركته السياسية والاجتماعية، وأي تنظيم له بنية معينة ويدخل مواجهة ويخسرها من الطبيعي أن يتراجع عن أفكاره.

بينما يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية د. مصطفى كامل السيد أن أهمية المراجعات تتمثل في أمرين أولهما : غلق ملف العمل المسلح في مصر، وذلك بعد أن قامت الجماعة الإسلامية بإعلان مراجعاتها منذ 5 سنوات وانتهت بحظر القيام المسلح ودار حوارداخل جماعة الجهاد انتهى باتخاذ نفس الموقف، وهو ما يعد انتصاراً كبيراً تتمثل أهميته في تراجع الحركات الإسلامية عن الكفاح المسلح، وينعكس هذا على نطاق كبير، وثانياً أن الجهاد كان يقوده الظواهري، الذي استمر في الدعوة بالنضال المسلح ومن ثم هذه المراجعات تشكل ضربة قاصمة له وتقلل بكثير من التأثير المعنوي الذي يمارسه.

ولايستبعد د. مصطفى أن تكون هذه المراجعات التي تمت في السجون قد حدثت بعد ضغوط للقيام بها، لكنها تثبت في النهاية صعوبة وصول الحركات الإسلامية للسلطة بالنضال المسلح، وانتهت إلى هزيمة كاملة، بجانب أن الدولة المصرية لم تفقد تماسكها، بحيث تمكنت من اختراق وشل حركات جماعة الجهاد، لذلك كان من الضروري القيام بالمراجعات.

ويجزم المفكر اليساري عبد الغفار شكر بمصداقية مراجعات الجهاد ويقول «من الواضح أن هذه المراجعات تمت بناء على خبرة الممارسة والتجربة، فتنظيم الجهاد منذ نشأته اتجه إلى تكفير المجتمع واستخدم القوة لإسقاط نظم الحكم القائمة واستبدالها بنظم إسلامية، وانخرط في أعمال عنف خطيرة أدت الى سقوط عشرات المواطنين وتدمير سمعة مصر وهز استقرار المجتمع، ودخل المجتمع المصري في دوامة من العنف، والعنف المضاد فترة طويلة، وفشل الجهاد في هذه التجربة، وتأكد له أن العنف طريقا غير مجدٍ ويؤدي إلى أضرار كبيرة بالمسلمين.

لذلك أعتقد أن هذه المراجعات على قدر كبير من المصداقية، لأنها قائمة على خبرة التجربة والممارسة ومرتبطة أيضاً بسلوكهم العملي بعد صدور هذه المراجعات.

من جانبه، يؤكد المفكر الإسلامي د. رفعت سيد أحمد أن هذه المراجعات صادقة لأنها جاءت بعد حوار طويل، وبعد 10 سنوات من مبادرة الجماعة الإسلامية، لذا نستطيع أن نقول إنها لم تكن رد فعل لتعذيب أو صفقة أو تماشياً وتقليداً للجماعة الإسلامية، وهي مراجعة حقيقية عند الجهاد الإسلامي.

ويضيف أن هذا الاتجاه غير موجود بالنسبة الى هذا الجيل من الحركة الإسلامية سواء في الجماعة الإسلامية أو الجهاد، قد يرد هذا بالنسبة لتيارات أخرى إسلامية مثل السلفية الجهادية، التي هي العمود الفقري لتنظيم القاعدة، لكن هذا الجيل من الجماعة أو الجهاد يختلف لأكثر من سبب، أولها أمني، بمعنى أن هؤلاء تم كشفهم أمنياً، ومن الصعب على من تم كشفه أمنياً أن يعيد ترتيب البيت مرة أخرى، لانتهاج منهج العنف، والسبب الثاني عقيدي فقهي بمعنى أنهم قد وصلوا بقناعاتهم إلى اكتشاف أن هذا المجتمع لإحداث تغيير سياسي به لا يمكن أن تنتهج منهج عنف، وأن الدعوة بالحسنى هي الأنسب لتركيبته وطبيعته المتدينة المعتدلة.