ليس صحيحاً أننا نخسر بالتمسك بالمبادئ ومنها جهاد العدو الغاصب وإظهار الصلابة والعزم الراسخ في المواجهة الميدانية أو التفاوضية معه ولا نربح إلا من خلال إبداء بعض التراخي معه بحجة العقلانية أو الواقعية أو محاسبة موازين القوى المختلة لغير مصلحتنا! فالعكس تماماً هو المطلوب مع العدو. ثمة غيوم سوداء تعاود الظهور في السماء العربية بعد ثمة انقشاع كنا قد تفاءلنا به خيراً قبل مدة! وثمة علائم غير صحية أيضاً تغزو بعض العقل العربي وبعض أروقة صناعة القرار فيه لا يمكن تلقيها بارتياح!
فماذا يعني أن يتصاعد الخلاف العربي العربي عشية التحضير لقمة دمشق العربية حتى بات العدو يشمت علناً بالتشتت العربي في زمن الانحدار الإسرائيلي؟!
وماذا تعني إدارة الظهر لأهلنا في غزة وتركهم محاصرين بكل أنواع الجوع والعطش والموت البطيء وبدء الحديث عن «وساطة» بين إسرائيل و«حماس» بدل التوسط بين «فتح» و«حماس» وإحياء الوفاق الفلسطيني؟!
وماذا يعني التحول المفاجئ إلى فكرة إنقاذ الاقتصاد الأميركي المنهار بعد أن لاحت في الأفق صحوة استبشرنا بها خيراً وهي عودة بعض الرساميل العربية إلى موطنها؟! وماذا يعني الانقلاب مجدداً على التضامن العربي مع لبنان المقاومة والصمود في زمن الوهن الإسرائيلي والإذعان للهزيمة في حربهم على لبنان من قبل إجماع النخب والقيادات الإسرائيلية؟!
وماذا يعني الدوران المفاجئ نحو الخلف والتواقح على العقل العربي وذاكرته وتاريخه بإعلان استعداد بعضهم الاحتماء بالمظلة النووية الإسرائيلية بحجة التهديد النووي الإيراني المزعوم؟!
وماذا تعني إعادة إحياء مقولة «الخطر» الشيعي الموهوم على مصر والعالم العربي لمجرد موافقة مفتي مصر على قبول شيعة عرب للدراسة في الأزهر الشريف، وإن كان الطلب المقدم هو من جماعة شيعة 14 شباط اللبنانية الموسومة بعدائها لسورية وإيران وغزلها مع أميركا؟!
وماذا يعني نكء الجراح القومية والطائفية في الإقليم والمطالبة بإعادة النظر ببعض الاتفاقات الدولية بين العراق وإيران بحجة أن العراق قد تغير وإيران قد تغيرت؟!
وماذا تعني العودة إلى «ثقافة» داحس والغبراء وتحريك الساكن والمطمور من الفتن من خلال إشاعة مقولات التخوين وإخراج المواطنين من مواطنيتهم لمجرد الاختلاف معهم في النظرة والموقف؟!
وماذا... وماذا... يعني غير هذا الكثير؟ مما لا يليق بأمة هي في موازين القوى الطبيعية والحسابية تتقدم نحو الأمام كما يفترض بينما عدوها هو الذي يتراجع كما يفترض ما يتطلب سلوكاً غير الذي نراه ونسمعه!
فليس صحيحاً أننا نخسر بالتمسك بالمبادئ ومنها جهاد العدو الغاصب وإظهار الصلابة والعزم الراسخ في المواجهة الميدانية أو التفاوضية معه ولا نربح إلا من خلال إبداء بعض التراخي معه بحجة العقلانية أو الواقعية أو محاسبة موازين القوى المختلة لغير مصلحتنا!
فالعكس تماماً هو المطلوب مع العدو، كما أن العكس تماماً هو المطلوب في التعامل مع الداخل وأهل الدار من البيت القطري أو القومي أو الإسلامي الواحد، أي الرفق واللين وحسن النية وتحمل الرأي الآخر وعدم التشكيك به فقط لأنه رأي آخر! وحظر التعامل معه بالقمع أو التحقير أو الازدراء أو الاستهزاء فضلاً عن الاستئصال وسحب المواطنية!
لقد وصل ببعضهم ممن حُسِب يوماً على النخبة اليسارية التي رفعت في يوم من الأيام صور كل زعماء الكفاح ضد الظلم العالمي من لينين إلى ماوتسي تونغ إلى أبو عمار إلى الإمام الخميني وحاربت الانعزاليين والعنصريين في لبنان وشعارهم المنحرف «قوة لبنان في ضعفه» إلى الارتداد من جديد والمجاهرة بالقول: نعم إن قوة لبنان في ضعفه فقط! ولأنه فقط لم يعد يتحمل شريكه في الوطن ولا يطيق انتصاراته بل يريد الطلاق منه بسبب وعود واهية وفارغة!
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أحلام الرجال تضيق!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني