* كلما أطلّ عيد التحرير تداعت إلى ذاكرتي المحاولات الحثيثة التي سعت إلى توثيق يوميات الصمود والمقاومة تلفزياً، والتي أخفقت جميعها لسبب أو لآخر لا أعرف مبررهما! الأمر الذي أفسح المجال لحضور شهداء الزور للإدلاء بشهاداتهم الطافحة بالادعاء والافتراء والانتحال وكل عدة وعتاد شاهد الزور المعهودتين! وقد جرت المحاولة الأولى للتوثيق التلفزيوني لمحنة الاحتلال بعد التحرير بأشهر قليلة، حين قام المركز الإعلامي بالجابرية الذي أنشأه الصامدون في الأيام الأولى من التحرير، فقد امتلأ أرشيف المركز بمئات الصور والأفلام التسجيلية التي صورها الصامدون بكاميراتهم التلفزيونية والسينمائية العفوية المدهشة. وجرى الاتفاق بين إدارة المركز ووزير الإعلام «في العهد العرفي» على إيفاد الفنان المبدع المخرج «عبدالله المحيلان» والفنان المخرج «عبدالعزيز المنصور» رحمه الله إلى لندن للقيام بالأعمال التقنية التي تحتاجها الأفلام السالف ذكرها.

Ad

ومن دون الخوض في التفاصيل، أجهض المشروع قبيل سفرهما بيومين! وأذكر بالمناسبة أن إحدى وكالات الأنباء العالمية عرضت مبلغاً سخياً جداً نظير حيازتها نسخة وحيدة من هذه الأفلام، لكن إدارة المركز الإعلامي رفضت لرغبتها في أن تكون «كونا» هي أول وكالة أنباء تبثها حصرياً، لكن وزير الإعلام الكويتي آنذاك ارتأى تأجيل عملية مونتاج الأفلام وإعدادها للعرض إلى حين آخر!

* ولا حاجة بي إلى التنويه بأن محتوى الأفلام ينطوي على وقائع وأخبار وممارسات لا تحتمل التسويف ولا التأجيل، لكن إذا حضر قانون الطوارئ والأحكام العرفية فالكل يأكل «تبن» ويبلع رأيه ولسانه! مادام معالي الوزير كان يظن آثماً بأن الحكومة أدرى و«أبخص»! ومنطق قانون الطوارئ أفضى إلى إغلاق المركز الإعلامي نفسه. ومن شاء معرفة التفاصيل يمكنه قراءة أعداد صحيفة 26 فبراير التي أصدرها المركز الإعلامي بعد التحرير مباشرة... أو قراءة الجزء الثاني من كتابي «شاهد على زمن الاحتلال».

الشاهد أن المحاولة الثانية الساعية إلى التوثيق إياه جرت منذ سنتين، وكان مولى المحاولة وصاحبها أحد قادة الصامدين، ولأن العبد لله مبتلى بفوبيا ورهاب الارتياب أبديت توجسي لأخينا المتطوع لإنتاج البرنامج الوثائقي، لكنه أفادني بأن لا عقبات هذه المرة البتة، لأنه سيمول عملية الإنتاج، ولا يحتاج من وزارة الإعلام سوى الموافقة على التصوير فقط، وقد حصل عليه! مرت سنة كاملة من دون أي فعل! وحين أسأل: عسى ما شر؟! تجابهني الذرابة واللباقة بإجابة مراوغة تلمح ولا تصرح، حيث يرقد الخبر اليقين في بطن القائد «الحزين»! زبدة هذه الهذرة المملة تكمن في وأد المشروع ثانية في ثلاجة «يحفظ» الحكومية!

* حين تم التحفظ الأول على تلفزة محنة الاحتلال -حسبنا بحسن طوية لا نغبط عليها- أن الحكومة الرشيدة وبمعيتها وزارة «الإع.. لام» أو النفي لا فرق، كانتا تستجيبان لتوصية خبراء علم النفس والاجتماع والتربية المتبدية في عدم عرض وبث كل ما من شأنه إثارة الاستجابات السلبية المرضية لدى الأطفال والفتيان بخاصة، ولدى المواطنين بعامة، ولكن الاعتقاد المذكور آنفاً غير وارد الآن بعد مضي 17 سنة على التحرير، ولاشك عندي الآن في أن الحكومة لا ترغب في أن يقوم المواطنون بتوثيق محنة الاحتلال كما كابدوها، واستجابوا لتحدياتها استجابات بطولية تعمدت بدماء الشهداء، وصبر الأسرى وذويهم، وأفعال المقاومين المناضلين المتأبطين أكفانهم في كل حين، وسط مناخ مترع بروح الوحدة الوطنية التي تجلت آنذاك في أبلغ معانيها ودلالاتها، والسؤال الذي يدحرج نفسه بالضرورة في نهاية الخاطرة هو: لماذا تتحفظ وزارة الإعلام على مسألة توثيق محنة الاحتلال مادامت عملية التوثيق تتكئ على شهادة الشهود العدول أصحاب الأفعال أنفسهم والذين ساهموا فيها؟! والحديث موصول، بإذن واحد أحد، إلى الأسبوع الماضي لعلّنا نكتشف أن كل هذه الخاطرة وما فيها مجرد وهم وارتياب مرضي يستوجب عيادة الطب النفسي! والاستماع إلى شهداء الزور!