ولادة شروط ومواصفات جديدة لوضع العمالة في الكويت لن تكون يسيرة، لأنها تتطلب تغيير القوانين، وتحدي نمط الاقتصاد الريعي، وتقوية الوضع التفاوضي للعامل.يعد حوار أبوظبي بشأن العمالة، الذي استضافته دولة الامارات العربية المتحدة في يناير الماضي، اول تحرك او جهد يسلط الضوء على اهمية تفعيل قناة الحوار بين الدول المصدرة للعمالة ودول المقصد، ولئن كانت النتائج الظاهرة لهذا الحوار الذي ضم بالاضافة الى الدول الخليجية 13 دولة آسيوية تبدو متواضعة، حيث لم يتم الخلوص الى نتائج محددة بشأن أربعة محاور رئيسية طرحت في هذا المؤتمر، وهي: تعزيز المعرفة المتعلقة بسوق العمل وسياسات التحويلات المالية، التوفيق بين العرض والطلب، وحماية العمالة المؤقتة من الممارسات غير المشروعة، واخيرا محاولة تطوير أفق التعاون الدولي بشأن العمالة الوافدة.
لكن من المؤكد ان هذا الحوار سيكون نقطة انطلاق للمستقبل، اذ ان اللقاء التشاوري الثاني سيعقد في عام 2010 لمتابعة بحث هذا الملف.
وتأتي اهمية موضوع العمالة بكل اشكالها وانواعها من واقع المشاكل الحاصلة لرعايا الدول المصدرة، وكذا اقتصادات الدول المستقبلة لهذه العمالة التي تأثرت الى درجة انها خلفت نتائج اجتماعية وامنية واقتصادية ستكون حتما متفجرة مستقبلا لو تركت رهينة السياسات الحالية.
وتشكل العمالة القاصدة دول الخليج ما يقارب الـ17 مليون نسمة تشكل نسبة 80% منها عمالة اجنبية و27% عمالة عربية، وقد رجح وزير العمل البحريني في حديث منشور ان يصل تعداد هذه العمالة خلال عشر سنوات قادمة الى 30 مليون نسمة، وهو رقم يستدعي الاسراع في تنمية قنوات الحوار، وايجاد الحلول الناجعة لهذه القنبلة الموقوتة.
ملف العمالة في دول الخليج بحسب وصف المدير العام لمنظمة العمل العربية احمد لقمان ادت الى «نكبة ديموغرافية»، وامام هذا الوصف الثقيل كانت ولا تزال الحاجة الى اخذ هذا الملف مأخذ الجد في الكويت، وهي موضوع ملفنا اليوم، هناك حاجة مهمة وملحة من اجل حل قضية المتاجرة بحقوق الكثير من العمال القادمين للعمل بها، ولعل الحديث المتكرر للحكومة بشأن رغبتها الغاء نظام الكفيل - الذي هو مصطلح عرفي ليس له اي وجود في المرسوم رقم 17 لسنة 1959 الخاص باقامة الاجانب - ينبئ بمدى المرارة والكلفة الباهظة التي باتت الدولة تدفعها بأشكال مختلفة وبدرجة تمس سمعتها الخارجية والداخلية، اضافة الى أمور اخرى كالضغط على الخدمات العامة، والتأثير على الأمن الداخلي كما حدث في أكثر من حوادث شغب، وقضايا أخرى بحاجة الى بحث ودراسة، ولكن الحكومة لم تعلن أي بدائل عن نظام الكفيل رغم قولها انها تتدارس عددا من البدائل التي تهدف الى جعل المسألة التعاقدية بين الدولة والعامل عبر مؤسسة مختصة ترعى شروط هذا التعاقد.
وفي هذا المجال يعزو المراقبون تأخر الافصاح عن التغيير المرتقب الى وجود علل في طبيعة الاقتصاد الكويتي احادي المصدر والريعي من جانب، اضافة الى ضغط اصحاب العمل والتجار لإبقاء الوضع على ما هو عليه، ذلك أن اولى نتائج تنظيم حركة العمالة وسوقها هو تقوية موقفها التفاوضي والقانوني بل والمالي، وهو وضع لم يعتد عليه أصحاب العمل منذ أكثر من 4 عقود.
إن الحوار العلني بشأن بدائل نظام الكفيل يجب ان يبدأ الآن، ويسوق حتى يتم بلورة رؤية وطنية تشمل المصالح والحقوق، وهناك قضايا يجب ان تفتح للنقاش العلني، ومن بينها تهيئة الوضع الجديد المرتقب لمسألة التصنيف المهني للأعمال، ومن ثم التصنيف المالي لكل مهنة، وهو ما يفتح موضوع معايير التعليم والتدريب المطلوبة لأصناف العمالة، وتكون متفق عليها بين دول المصدر والمقصد، يضاف الى ذلك احترام آليات العرض والطلب واحتياجات السوق بشكل يوائم المسألة الأمنية والاجتماعية.
هذا إضافة الى المعالجات التشريعية والقانونية التي يتطلبها - تواؤما مع الوضع المطلوب - تعديل قانون العمل وقانون إقامة الأجانب.
وغير خافٍ أيضا توجس أصحاب العمل من احتمالات شبه أكيده من أن الغاء نظام التعاقد المباشر، واضفاء معايير فنية على دخول العمالة الى الكويت سيؤدي الى ارتفاع تكلفة العامل على أصحاب العمل، إذ سيحق للعامل الانتقال من عمل الى آخر في حال مخالفة صاحب العمل للمعايير المتفق عليها، وسيكون هذا الانتقال شكلا من أشكال تحسين الوضع المادي للعامل، وهو وضع يتطلب وقتاً لاستيعابه نفسيا من قبل أصحاب العمل.
لماذا يجب إلغاء نظام الكفيل؟غني عن القول ان نظام الكفيل، وهو مصطلح وهمي، أصبح بفعل الممارسة منفذا للاتجار بالبشر (التجارة بالاقامات)، وهو انتهاك صريح لبعض حقوق الانسان، ورغم ذلك فان مسؤولية الكفيل مبهمة أمام القانون، ففي حين يتطلب تزويد الجهات الحكومية والمؤسسات العامة بالعمالة المقررة من خلال طلب سمة دخول من هذه الجهات، اضافة الى أن العمل في القطاع الأهلي يتطلب سمة دخول من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وسمة دخول الخدم الخصوصيين تتطلب عدم ممانعة من الادارة العامة للهجرة بناء على طلب المخدوم، فانه يتضح من ذلك أن سمات الدخول على اختلافها هي من اصدار جهات حكومية أو مؤسسات عامة، وليس هناك أي دور لشيء اسمه الكفيل، وبالتالي فان فكرة التعديل يجب أن تركز، في الحديث عن بدائل نظام الكفيل، على تعديل قانون اقامة الأجانب من خلال توحيد جهة سمات الدخول، والتوحيد هذا سيجرنا الى الغاء مواد كثيرة وأهمها المادة 24 فقرة (أ) من القانون المشار اليه، والتي تحاول محاربة تجارة الاقامات، فقد أثبت الواقع أن الأجهزة الحكومية غير قادرة على فعل شيء بهذا الصدد، بل ان صلاحية الاستثناء في زيادة أعداد العمالة لأصحاب الأعمال من قبل الوزير قد تم التفريط فيها وبشكل مأساوي وكبير في عقد التسعينيات، وهو ما كشفته لجنة التحقيق البرلمانية بشأن تجارة الاقامات، ونادت وقتها باعادة النظر في مسألة استثناءات الوزير لزيادة عدد العمالة المطلوبة للمنشأة والتي حدد القانون أعدادها سلفا.
النقطة الأخرى تتعلق بأن تجارة الاقامات تفرض نوعا من العمل القسري على العمال من خلال حجز جوازات سفرهم، ومنع تحويل كفالتهم، أو تهديدهم بالترحيل، والعمل القسري محرم في العديد من الاتفاقيات الدولية الانسانية واتفاقات منظمة العمل الدولية.