Ad

هناك أنباء عن اعتزام قطر إنشاء وكالة أنباء عالمية، وحال انطلاقها ستكون قطر لاعباً إعلامياً دولياً رئيساً، من خلال وكالتها التي ستنضم إلى أربع وكالات عالمية كبرى، تبث نحو 70 في المئة من الأخبار الخارجية التي تنشرها صحف العالم.

إذا صحت الأنباء الواردة من الدوحة، وهي على الأرجح صحيحة، فإن قطر تعتزم إنشاء وكالة أنباء عالمية، بعد أن تُطلق صحيفتها الإقليمية بطبعاتها المختلفة، لتستكمل إمبراطوريتها الإعلامية ذات الوسائل المتعددة من جهة، وتتحول واحدة من كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم من جهة ثانية، وتصل إلى أقصى كفاءة تشغيل في الوقت ذاته.

لقد كان نجاح «الجزيرة» أكبر من التوقعات كلها؛ إذ أسهم ضعف المنافسين، والضخ المالي المتواصل في تكريس مكانة تلك الفضائية كإحدى أهم فضائيات العالم، فضلاً عن احتلالها المكانة الأولى بين الفضائيات العربية الإخبارية من دون منازع.

وقد أغرى هذا النجاح القائمين على المشروع لتوسيعه؛ فزادت القنوات حتى انطلقت «الجزيرة الدولية»، إلى جانب الموقع الإخباري على الإنترنت (الجزيرة.نت)، ثم جاءت فكرة الجريدة الإقليمية التي يمكن أن تطبع أكثر من طبعة في أكثر من عاصمة.

ويعكس التفكير في إنشاء وكالة أنباء عالمية حساً استراتيجياً ووعياً حقيقياً بالمنظومة الإعلامية الدولية؛ فوكالات الأنباء هي عصب العمل الإعلامي الرئيس، وهي الصناعة الثقيلة وسط عشرات الصناعات الوسيطة والخفيفة والتكميلية.

ولم يعرف التاريخ إمبراطورية إعلامية حقيقية من دون وكالة أنباء؛ فمهما امتلكت من قنوات إخبارية وصحف ومجلات ستظل دوائر جمهورك محدودة؛ أما وكالة الأنباء فستجعل العالم كله بمؤسساته وأفراده جمهورك.

وتقوم الفكرة القطرية في هذا الصدد على أساس استكمال أركان الإمبراطورية، التي صنعت مجد الدولة القطرية، وزادت كتلتها الحيوية أضعافاً في ظل واقع إقليمي غير موات وواقع دولي متقلب وخطر.

وبانطلاق تلك الوكالة، على الأسس المعيارية الاحترافية المعمول بها في وكالات الأنباء العالمية، ستكون قطر لاعباً إعلامياً دولياً رئيساً، من خلال وكالتها التي ستنضم إلى أربع وكالات عالمية كبرى تبث نحو 70 في المئة من الأخبار الخارجية التي تنشرها صحف العالم.

وبالشق التلفزيوني الذي ستمتلكه تلك الوكالة ستستطيع أن تتحكم في قطاع مهم من الأفلام التي ستبثها القنوات الإخبارية المختلفة، خصوصاً وأنها ستركز على تكريس تفردها فيما يتعلق بتغطية منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الجيوبولوتيكية الآخذة في الصعود.

الأهم من ذلك أن تكلفة تشغيل الإمبراطورية الإعلامية القطرية لن تتحمل أعباء مالية كبيرة، كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، فيما سيزيد العائد والناتج زيادة كبيرة، كماً ونوعاً في آن واحد.

والفكرة ببساطة هي استخدام أسلوب جديد في عالم تشغيل وسائل الإعلام الضخمة المتعددة النتاجات Media Convergence ، يقوم على أساس تطوير ماكينة إنتاج إعلامية ضخمة، تنتج مواد خاماً، يسهل استخدامها لاحقاً في أكثر من وسيلة مهما اختلفت أغراض الوسيلة وطريقة تشغيلها وطبيعة جمهورها.

فاليوم يمكن للقطريين، عبر امتلاكهم لوكالة الأنباء المزعومة، إنتاج النص/الفيلم الخبري الخام، بسمات ومواصفات محددة، بحيث يعاد استخدامه ثانية، بتعديلات طفيفة، مرة في القناة الإخبارية، وأخرى في الموقع الإلكتروني، وثالثة في رسالة الهاتف الجوال القصيرة، ورابعة في القناة التسجيلية، وخامسة في الصحيفة المطبوعة، وسادسة في صحيفة الموبايل.

سطر خبري واحد يتم إنتاجه بشروط محددة عبر هذه الوكالة، سيعاد استخدامه مرات ومرات في وسائل إعلام مختلفة، فتقل التكلفة، ويزيد العمق، وتتسع التغطية، ويتكرس السبق، وتبدأ تلك الوسائل في التعادل مالياً بعد سنوات طويلة من الإنفاق المالي الضخم والعوائد الضئيلة.

إذا استطاعت قطر أن تنجز مشروع الجريدة الإقليمية، رغم ما يرشح عن تعثره، وأن تطلق الوكالة العالمية، تكون قد استكملت استحقاقات إنشاء إمبراطوريتها الإعلامية. وإذا نجحت في التأسيس لتشغيل اقتصادي لتلك الإمبراطورية، بحيث تتعادل نفقاتها مع مواردها في سنوات ثلاث أخرى مقبلة على الأكثر، تكون تلك الإمبراطورية ضمنت البقاء إلى حد معقول.

لقد منح الفضاء والعولمة وثورة الاتصالات وخواء المنافسين وضعف الجوار وضيق أفقه، دولة قطر الفرصة لتصطاد فرصة صعبة، وتدشن مشروع إمبراطورية فريدة في منطقة اعتادت القيود وفقر الخيال، ويبدو أنها في طريقها لاستكمال ما بدأت، بعدما ذاقت حلاوة النجاح.

ورغم كل ما سبق، فلا تبدو قطر مطلقة اليدين فيما تنوي أن تفعل، وهي في حاجة إلى عزم ماض ومثابرة وجلد ومال ومساومات سياسية ومهارات إدارية رفيعة.

لكن الخبر السار الذي يمكن أن يسعد القطريين أن دول الجوار؛ الكبيرة والصغيرة والمعتدلة والمتشددة والقريبة والبعيدة كلها لا تشعر سوى بانزعاج بليد، وهي تشاهد ما يحدث من اجتراح دولة صغيرة لإمبراطورية إعلامية كبيرة. ويبدو أن تلك الدول تعتبر ما يحدث مجرد فيلم «مأساوي» مصنوع باحتراف، لذا فقد لاقى إقبالاً جماهيرياً، لكن العرض سينتهي حتماً.

الخبر السيئ لتلك الدول؛ هو أن هذا الفيلم لن ينتهي قريباً، وهو ربما يتحول إلى مسلسلات، ويعرض على مدار العام، ولسنوات طويلة أخرى مقبلة.

 

كاتب مصري