قبل ستة شهور، وفي شهر رمضان بالضبط، كتبت مقالا قلت فيه إن حل مجلس الأمة قد بات وشيكاً جداً، واستندت في استنتاجي هذا يومها إلى كثرة يافطات التهنئة الرمضانية في الشوارع، وأن تلك اليافطات هي حتما لمرشحي البرلمان القادم، لأنه لا أحد سيصرف دنانيره في حقبة غلاء المعيشة على طباعة وتعليق اليافطات لمجرد أن يهنئ الناس هكذا لله في الله. وكنت توقعت بأنه استناداً إلى كرنفال اليافطات الانتخابية المتنكرة بعبارات التهنئة آنذاك، بأن معركة الانتخابات، في الدائرة الخامسة، دائرتي، ستكون حرباً ضروساً، لأني لمست من قائمة أسماء المهنئين أن الصراع سيحتدم على المستوى الداخلي بين أبناء كل قبيلة على حدة، قبل أن يصبح بعد ذلك مع منافسيهم من القبائل الأخرى، وهذا بالفعل ما يحصل هذه الأيام.

Ad

(فخوذ) القبائل تجري تصفيات ابتدائية، (يتأهل) منها من سينافسون في الفرعيات العامة لهذه القبائل، ليخرج منها من (سيلعبون على النهائي). ترتيبات دقيقة وعريضة تفوق ترتيبات الفيفا لكأس العالم، وتعجز مع ذلك أجهزة الأمن حتى عن رفع الكرت الأحمر لأي أحد، فيا سبحان الله!

توقعت كذلك يومها أيضا بأن المشهد سيكون أعقد من المعتاد لأن الدائرة الخامسة وبعد التعديل صارت تحوي عدداً مؤثراً جداً من الحضر والشيعة ممن أعول أن يكون لهم حضورهم وصوتهم المسموع، وبالتالي فإن هذا الخليط الانتخابي الجديد وغير المستقر بالإضافة إلى الصوت النسائي الذي لايزال تابعا أو تائها لطبيعة الحال، سيودي بالدائرة إلى انتخابات محتدمة قد تفضي إلى نتائج غير متوقعة!

الانتخابات الفرعية بدأت تجري في هذه الدائرة وغيرها كما توقعت، وذلك لأسباب عدة يأتي على رأسها أن من غير المتوقع أن تقوم الحكومة بأي تحرك حقيقي للتصدي لها، إن لم يكن من باب الصعوبات الأمنية لضبط المسألة فعلا كما يزعمون، فمن باب أن الحكومة تعتمد في العادة على الدوائر التي شكلت هذه الدائرة لتنتج لها عدداً معتبرا من النواب الموالين، وبالتالي فإن عرقلتها أو إيقافها لهذه الانتخابات الفرعية سيمثل تهديدا حقيقيا لقدراتها في البرلمان، وقد يفقدها أدوات السيطرة عليه!

وبالرغم من أن العنصر الأساسي الآخر في المشهد الانتخابي لهذه الدائرة، هو حقيقة أن القبائل لم يعد بإمكانها أن تضمن مقاعدها بمجرد الاعتماد على تفوقها العددي كما كانت تفعل في السابق، فإن أبناء القبائل لايزالون أسرى للفرعيات التي لا يخرج منها بالضرورة من يليق بتمثيلهم، بل يصرون على الاستمرار بممارستها بالرغم من حرمانها أصحاب الكفاءات والقدرات الحقيقية من فرصة ترشيح أنفسهم مباشرة للانتخابات العامة وعرض أنفسهم على جميع أبناء الدائرة من الآخرين ممن لا تعنيهم معايير القبائل وموازين (فخوذها) وإنما يبحثون عن الرجل الكفؤ القوي النزيه.

أعتقد أن أبناء القبائل لايزالون مدفوعين إلى الفرعيات لظنهم بأنها الطريق الأضمن للوصول إلى البرلمان، يسيطر عليهم في ذلك هاجس إيصال أحد أبناء القبيلة إلى قبة البرلمان، كائنا من كان حتى لو كان من أسوأ خلق الله. ويمكن عزو ذلك إلى أن فكرة المواطنة في داخل الدولة لاتزال تلتبس عندهم بفكرة قوة القبيلة وسيادتها وتفوقها على غيرها، وأن الوجود في البرلمان وبأكثر عدد من النواب، بغض النظر عن نوعيتهم، هو الدليل على قيمة القبيلة أمام النظام، وبالتالي هو الطريق المؤدي إلى (تسهيل) أمورهم المعيشية (وتضبيط واسطات) أبنائهم في مرافق الدولة المختلفة!

قد تستحق هذه الفكرة الخطيرة مقالا منفصلا للبحث في أسبابها، لكنني سأكتفي اليوم بأن أكرر ما قلته في مقالي القديم بأن الدائرة الخامسة ستكون من دوائر المفاجآت الانتخابية، مع أملي أن تنتج لنا من يمكن لنا أن نفتخر به نحن أبناء الدائرة!

* * *

ما كاد الخبر عن توقعات ترشحي في الدائرة الخامسة ينشر في إحدى الصحف، متزامنا أيضا مع مقالي عن رفض الفرعيات، حتى اندفع بعض أبناء القبيلة، من الأقربين وللأسف، للنيل مني غائبا هداهم الله.

الله أكبر... ما الخطأ في أن يؤمن المرء بأن من حقه أن يعرض نفسه مرشحا على كل أبناء الدائرة سواء من قبيلته أو من خارجها بكل أطيافهم وفئاتهم؟! ما الخطأ في أن يمارس المرء حقه الذي كفله له الدستور؟! يا سادة، فرعياتكم مردودة عليكم وأنا منها بريء. وأما خبر ترشحي عن الدائرة فهو غير صحيح، لأن الوصول إلى مجلس الأمة ليس مشروعي، في هذه المرحلة الملتبسة على الأقل، ويكفيني فخرا وشرفا أن أخدم وطني من موقعي هذا.

أما من أساؤوا لي وأكلوا لحمي غائبا في حين كان لا يحتاج الأمر منهم سوى الاتصال وسماع وجهة نظري، فلا أملك سوى أن أقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، وسيبقى صدري وباب بيتي رحبا ومتسعا للجميع.