عندما تقلّد أميركا خُطى صدام والشاه!
العنف الجاري في العراق، إنما هو صنفان؛ صنف يعمل ضد المحتل، باعتباره رد فعل طبيعياً على ممارساته الوحشية وعمله اللامشروع أساساً، وصنف يجري برعاية المحتل لغرض التشويش على المقاومة الشريفة والشاملة التي تقودها أيد ٍعراقية أصيلة لا علاقة لها بالخارج.
لم يعد سراً أن الطريقة التي لجأ إليها المحافظون الجدد في التعامل مع فشلهم المحقق في العراق، اعتمدت في تقريري الجنرال بترايوس والسفير كروكر على الثلاثي التالي: أولاً: ترحيل الأزمة قدر الإمكان إلى نهايات العام المقبل لسحب فتيل تأثيرها في الانتخابات الرئاسية، وبالتالي التخفيف قدر الإمكان من تداعيات الفشل على الحزب الجمهوري الحاكم! ثانياً: صب اللوم بخصوص المشاكل الحادة التي عانت ولاتزال تعانيها خطط الاحتلال، على الحكومة والقوى السياسية المنخرطة فيها أو المتمردة عليها، في محاولة لحرف الأنظار من تداعيات الفشل على الشارع الأميركي الى تداعياته على الشارع العراقي! ثالثاً: تصدير الأزمة من الميدان إلى خارجه، وتحديداً باتجاه دول الجوار من خلال تحميلها العبء الأكبر من معاناة الشعب العراقي، بحجة أنها هي المسؤولة عما يعانيه الشارع العراقي من انعدام الأمن والاستقرار لكونها غير مستعدة لضبط حدودها، وبالتالي هي المسؤولة عن استمرار التمرد والمقاومة! هذه الطريقة في التعامل مع الأزمات الحادة من خلال الترحيل أو صب اللوم على الأدوات أو البطانة أو تصدير الأزمة نحو الخارج، تذكرنا بطريقة الطغاة الصغار الذين عاصرناهم طوال النصف الثاني من القرن المنصرم في بلادنا، وفي طليعتهم نظاما حكم صدام حسين وشاه إيران البائدان، وأحياناً ما تبقى منهما ولايزال يعمل مع الأجنبي أو يراهن عليه، خاصة عندما يكون الأجنبي من النوع الأميركي! لا يختلف اثنان من عقلاء أميركا، أو ممن هم خارجها، على أن ما يعانيه الشعب العراقي حالياً، إنما أساسه وسببه الرئيسي يرجع إلى ممارسات الاحتلال وسياساته الحمقاء التي تجهل تماماً طبيعة الشعب العراقي وتتجاهل تماماً مطالب الشعب العراقي الأساسية! كما لا يختلف اثنان على أن الحكومة والطبقة السياسية العراقية الراعية لما يسمى بالعملية السياسية القائمة في العراق، إنما هي من البطانة السياسية التي قدمت مع الاحتلال أياً كانت توجهاتها أو«شرعيتها»، وبالتالي عندما تقول تقارير المحتل عنها أنها «لم ترتق ِإلى مستوى المسؤولية أو... »، إنما تذكرنا بالمثل القائل «إن البصقة إلى الأعلى إنما تعيد البصقة على صاحبها»! كما لم يعد يختلف اثنان بعد كل الذي مرَّ من أحداث جسيمة على العراق ومن ممارسات وحشية لقوى الاحتلال يندى لها جبين الإنسانية، على أن ما يحصل من ممانعة أو ما يسمونه تمرداً على الأرض وفي الميدان ضد قوات الاحتلال، إنما هو من أعمال المقاومة المشروعة للشعوب، وأن ما يحصل على هامش ذلك مما يوصف ببعض أشكال الحرب الأهلية، إنما هو من صنع الاحتلال، سواء من خلال الإشراف أو التورط المباشر أو من خلال التشجيع والتوريط غير المباشر، الذي عادة ما تتبعه قوات الاحتلال مع الشعوب المقهورة، عندما تبدي مقاومة شرسة ضدها، فتضطر حينئذ إلى الدخول على خطها ليأكل بعضها بعضا، أو ليضرب بعضها بعضا، لغرض تشويه المقاومين واستنزافهم عبر حروب داخلية طويلة الأمد! وبالتالي لا أحد سيصدق المحتل بأن التمرد، أو المقاومة، تأتي أو أتت من دول الجوار! فالعنف الجاري في العراق، إنما هو صنفان؛ صنف يعمل ضد المحتل باعتباره رد فعل طبيعياً على ممارساته الوحشية وعمله اللامشروع أساساً، وصنف يجري برعاية المحتل لغرض التشويش على المقاومة الشريفة والشاملة التي تقودها أيدٍ عراقية أصيلة لاعلاقة لها بالخارج، اللهم سوى دعم الأمة الإسلامية لها ودعائها لها بالنصر، وهذا ما لن تفهمه قوى الاحتلال ولن تستوعبه مطلقاً، كما لم يستوعب أو يتعلم الطغاة الصغار الذين نصَّبتهم من قبل وكلاء لها في سدة الحكم هناك، واضطرت هي إلى كنسهم، عندما انتفت الحاجة إليهم، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً! إنه الدرس الذي لن تستوعبه الإدارة الأميركية ما لم يكنسها الشعب العراقي من بلاد الرافدين على أيدي أبنائه وبدعاء الأمة التي ينتمي إليها! وإلى أن يحصل ذلك، فإن العالم كله ومن تبقى من عقلاء أميركا بدأ يدرك جيداً أن المشكلة إنما تكمن في تمادي الاحتلال في غيّه، ولا منطق يكمن في ترحيل الأزمة أو صب اللوم على الآخرين أو تسيير الأزمة خارج الميدان!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني