الجذور التاريخية لجماعة الجهاد الإسلامي
في نوفمبر 65 اندلعت في مصر حركة تطهير شاملة ضد الإخوان المسلمين، تم خلالها القبض على كل أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها والمشاركين في أنشطتها، ولم يفلت من قرارات الاعتقال كل من تبرع لأي مشروع من مشروعات الجماعة الخيرية من دون اعتناق لمبادئها أو مسايرة أفكارها، وذلك على النحو الثابت بالوثيقة الشهيرة التي أوردها الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، في كتابه «قذائف الحق»، مع ما صاحب ذلك من إعدامات ومطاردات وما تسرب من أخبار التعذيب الذي تعرّض له المعتقلون آنذاك.لذلك كان غريبا أن يتجمع في أحد مساجد ضاحية المعادي بعض الشباب يواظبون على صلاة الجماعة وحضور الدروس، أحدهم هو أيمن الظواهري الذي ينتمي الى عائلة طبية شهيرة وينتسب إلى شيخ ثائر من شيوخ الجامع الأزهر هو الشيخ الظواهري، وينتسب أيضا إلى الدكتور عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية، وانضوى معه أيضا نبيل البرعي الذي ينتسب أيضا لإحدى العائلات الميسورة، التي تتخذ من ضاحية المعادي محلا لإقامتها، شكَّل الاثنان معا محورا مهما لبزوغ فكر الجهاد إثر إعدام الشهيد سيد قطب، واتخذ أيمن الظواهري من مكتبة جده الشيخ الظواهري مصدرا مهما لاستلهام فكر الجهاد من بطون كتب التراث السلفية، في الوقت الذي حسم نبيل البرعي خياراته في ضرورة إعادة الأمة إلى جذورها من جديد، سيما وأنها تتعرض لمؤامرات تسعى إلى إفساد شبابها، وقد وجد الاثنان ضالتهما في ما سطره شيخ الإسلام أحمد بن تيمية من أحكام شرعية تواجه حالة مجتمعية مماثلة لما اعتقدا أنهما يواجهانها حول التتار وأحكامهم وسلوكهم، ولا يرى ثمة فرق بين حكام اليوم وتتار الأمس، فالقاسم المشترك بينهما ادعاء الإسلام ظاهرا ومحاربة شريعته. واستمرا في نقاش حول الأسس التي شكلت أطر فكرهما الجديد حتى بدآ في استقطاب مجموعة أخرى من الشباب، جاء في صدارتها إسماعيل طنطاوي وعصام القمري وسيد إمام عبد العزيز وأمين الدميري ومحمد الظواهري وخالد عبد السميع ويحيى هاشم وعبد المجيد الفقي، وقد وصف نبيل البرعي هذه المجموعة بأنها «مصطفاة» من حيث التقوى والإخلاص.
ورغم أن هذه المجموعة قد تكونت عام 66، فإن هزيمة يونيو 67 على ما ذكر الدكتور الظواهري في كتابه «فرسان تحت راية النبي» جعلت أفكار هذا التنظيم تتوهج وتسعى إلى تطبيق مبادئها على أرض الواقع.انضمام يحيى هاشم إلى جماعة الجهادجاء انضمام يحيى هاشم إلى جماعة الجهاد عقب وقوع نكسة يونيو 67 تطورا مهما يعكس حالة السخط التي انتابت قطاعات اجتماعية مميزة أدت إلى تبني أفكار متصادمة مع نظام الحكم القائم، فقد كان يحيى هاشم وكيلا للنيابة بأسيوط.ورغم أن الظواهري في كتابه الذي أشرنا إليه امتدح كثيرا يحيى هاشم ووضح أنه من اللبنة الأولى التي أسست التنظيم، غير أن مواقف كثيرة أفصحت عن تغاير في أسلوب الرجلين، فعندما يحبذ هاشم حرب العصابات يرفضها الظواهري، بينما يمضي هاشم تنفيذا لرؤيته فيقتل هو ورفاقه في أول طريق في جبال المنيا، التي شهدت بعد ذلك قتالا مريرا بين أعضاء الجماعة الإسلامية وقوات الأمن في التسعينيات من القرن الماضي قتل خلاله من قتل، غير أن أفكار يحيى هاشم لم تندثر من المنظومة الفكرية لجماعة الجهاد، فقد خصص سيد إمام عبد العزيز فصلا كاملا في ميثاق عمل الجماعة (العمدة في إعداد العدة) عن حرب العصابات مما ينبئ عن توافق في الرؤى بين هاشم وإمام.أما عصام القمري فيعد نموذجا للجدية داخل جماعة الجهاد، فقد أخذ منذ بداية شبابه قضية الإسلام مأخذ الجد وقرر أن يدخل الكلية الحربية ليغير النظام الحاكم في مصر، هكذا كانت قناعته وهو لم يزل طالبا في الثانوية العامة! وتم له ما أراد من دخول الكلية الحربية التي تخرج منها، وأصبح ضابطا كبيرا في سلاح المدرعات، وقد كان بارعا أيضا في شؤون الدعوة التي بدأها مبكرا وهو طالب بالكلية الحربية فاستطاع ضم محمد مصطفى عليوه زميله بالكلية وشقيقه علوي مصطفى عليوه. وبعد تخرج عصام القمري من الكلية الحربية انخرط في سلاح المدرعات الذي أحبه وتفوق فيه، وقد كان يرى أن هذا السلاح يجب أن يكون سلاح المسلمين لما يتوافر فيه من قدرة على حسم المعارك وردع العدو. وعندما فكر القمري في الهرب من السجن الحربي، الذي سجن فيه بعد اكتشاف تنظيمه داخل الجيش عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، دبر خطة الهروب له ولرفاقه تعتمد بشكل كبير على بعض المدرعات الموجودة في مناطق مختلفة من القاهرة، وفق ما يحفظه من أماكن وجودها عن ظهر قلب، غير أن الخطة فشلت آنذاك لافتضاح أمرها... وبقى القمري على إصراره في الهرب من السجن حتى تمكن من تدبير خطة أخرى للهرب من ليمان طره نفذها معه خميس مسلم ومحمد الأسواني عام 88، وقتل في مداهمة لأجهزة الأمن لمكان اختبائه في منطقة الشرابية وسط القاهرة وقتل أيضا خميس مسلم بينما تم القبض على الأسواني الذي أعيد إلى سجن طره مرة أخرى. وهكذا نجد الفكرة الرئيسية لدى حركة الجهاد تتمحور حول ضرورة اجتذاب عناصر داخل القوات المسلحة، تلك المجموعة القديمة التي أشرنا إليها بزعامة القمري، وفي صدر الثمانينيات وامتدت إليها مجموعة تالية في وسط الثمانينيات في القضية الشهيرة بإحياء تنظيم الجهاد والتي قيدت برقم 401 لسنة 87، وكان أبرز الضباط فيها العقيد محمد مكاوي الذي اصطدم بوزير الداخلية الأسبق اللواء زكي بدر وتم اعتقاله ليطرد من الخدمة العسكرية وتسوقه الأقدار إلى أفغانستان وقد كان ذي عاطفة إسلامية ولم يسبق له الانخراط في تنظيمات إسلامية، وأيضا الضابط فتحي عبد البديع والضابط محمود أبو الفتوح، هذا الجناح العسكري كان يوازيه أجنحة مدنية -إن جاز التعبير- على رأس فصيل الدكتور أيمن الظواهري، وترأس فصيل آخر المهندس محمد عبد السلام فرج، في ذات الوقت لم يكف عبد الرؤوف أمير الجيوش وهو أحد بقايا تنظيم الفنية العسكرية القديم عن الاستمرار في تسويق الفكرة الجهادية.«الحقيبة العسكرية» أوقعت تنظيم القمريكانت جل تلك الفصائل تنتهج العمل السري بعيدا عن الرقابة الأمنية، غير أن تنظيم عصام القمري انكشف أمره على إثر ضبط الحقيبة العسكرية مع حاملها عضو الجماعة خالد عبد السميع، وكان التحالف الذي جرى مع المهندس عبد السلام فرج وكان طرفا أصيلا به المقدم عبود الزمر وابن عمه طارق الزمر أدى الى كشف أيمن الظواهري. وكان المهندس محمد عبد السلام فرج قد اتخذ من مسجد عمر بن عبد العزيز ببولاق الدكرور مركزا له، حيث التقى كرم زهدي واتفقا على التحالف بين مجموعة فرج بالوجه البحري بمجموعة زهدي بالوجه القبلي، واعتبر فرج مؤلف دستور الاغتيال وهو كتاب «الفريضة الغائبة»، وهكذا نكتشف أن العلاقة بين تنظيم الجهاد الذي تزعّمه الشيخ عمر عبد الرحمن وجماعة الجهاد بجناحيها العسكري بزعامة عصام القمري والمدني بزعامة أيمن الظواهري كانت لاحقة لواقعة اغتيال السادات ولم تكن سابقة عليها، كانت هناك دائما همزة وصل تربط كل الفصائل ببعضها، ولهذا جاء الحكم في أكبر قضية سياسية عرفها التاريخ المعاصر، والتي سميت بقضية الجهاد الكبرى متفقا على إدانة ثلاثة تنظيمات بالقضية وليس تنظيما واحدا موحدا تنظيم مجموعة محمد عبد السلام فرج، وتنظيم مجموعة قبلي بزعامة كرم زهدي وتنظيم سالم الرحال الاردني، الذي كانت أجهزة الأمن المصرية قد ألقت القبض عليه في وقت متقدم على اغتيال السادات وسارعت بترحيله خارج البلاد. وجاء الربط بين مجموعة عبد السلام فرج ومجموعة أيمن الظواهري على خلفية قيام الدكتور صيدلي أمين الدميري بإطلاع أيمن الظواهري على معلوماته بخصوص واقعة الاغتيال وأن المقدم عبود الزمر في حاجة الى معونة وتدبير ملاذ آمن له فقدم الظواهري هذا الدعم ودبر لقاء بين عبود وعصام القمري لم يتم فيه شيء، وكان هذا اللقاء سببا في القبض على أيمن الظواهري بل وعصام القمري وبعض أعضاء جماعة الجهاد أثبتت التحقيقات عدم علاقتهم بالأحداث بل وكان للقبض عليهم وضمهم إلى التنظيم سببا للقضاء ببراءة عدد كبير من المتهمين، لأنه وضح للمحكمة عدم توافر عناصر جريمة التنظيم لدى أغلب المتهمين على النحو الثابت بمدونات هذا الحكم.