العدالة حين تفرّق ولا تجمع
الحملة الإعلامية والحقوقية في سورية ضد تنفيذ أحكام الإعدام بحق سجناء جنائيين سوريين في العربية السعودية، جاءت متأخرة جداً، وإلى حد ما، لا ينطبق عليها المثل القائل: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً». بدأت الحملة قبل أسبوعين بقطع رأس شابين سوريين بتهمة الاتجار بالمخدرات وفقاً للمصادر السعودية، والاتجار بالحبوب المنشطة جنسياً وفقاً لبعض المصادر الحقوقية السورية. واستمرت مع إعدام ثالث في الأسبوع التالي محكوم بالتهمة نفسها. بينما احتجت السفارة السورية في السعودية على عدم إبلاغها بتنفيذ الحكم، ونسبت جهات إعلامية محلية إلى مصادر في السفارة، استنكارها للحكم الذي وصفته بالقاسي والذي لا يتجاوز عادة في قضايا مماثلة الحكم بالسجن سبع سنوات وليس بالإعدام.
هذه الحملة، كان يجب أن تبدأ منذ أشهر عدة، عند تنفيذ حكم الإعدام في سورية بحق سجناء جنائيين سوريين، حكموا بالموت في ساحة عامة من قبل محكمة ميدانية عسكرية لا يحظى فيها المتهم حتى بحق الدفاع. ربما لو حصل ذلك، لما اتهم الحراك الأخير لمناهضة تلك الأحكام في السعودية، بالتسييس حيناً والفبركة حيناً آخر. اعتصام أهالي المحكومين أمام السفارة السعودية في دمشق ووزارة الداخلية، وتغطية الإعلام المحلي لتلك الاعتصامات، لعب دوراً إضافياً في إثارة البلبلة حول قضية حقوقية بامتياز، تقبل مثل هذا النوع من الاحتجاج السلمي. فالدولة التي لا تسمح بأي حراك احتجاجي من هذا القبيل، ولها تاريخ حافل بقمع الاعتصامات السلمية في قضايا الحقوق والحريات، يغدو من المستغرب أن تتعامل «بحنان» مع معاناة عائلات السجناء في دولة أخرى. وهنا وقع حراك الأهالي في مرمى اتهامات بالفبركة، بسبب السجل السوري الأسود لحقوق الإنسان. بينما لو تم قمع اعتصامهم واعتقال عدد منهم، لجرى وقتها وللأسف، التعاطف مع حراكهم وإبعاد تُهم الفبركة عنه. ودائماً نقول إن الدول التي لا تحترم حقوق مواطنيها الأساسية، تتحول مناصرتها لحقوق الإنسان في دول أخرى إلى كوميديا، ولا تحظى هذه المناصرة بأي مصداقية كانت. قضية إعدام المواطنين السوريين في السعودية، جرى تحويرها وتأويلها في اتجاهات أخرى لا تخدم جوهرها من قريب أو بعيد. وظهرت كتابات تتحدث صراحة أو تلميحاً عن استهداف سوريين من قبل العربية السعودية، وأصبحت العلاقات المتوترة بين البلدين هي لب الموضوع، وعلى هامشها يأتي الموقف من حكم الإعدام و ضرورة توفير المحاكمة العادلة واحترام حقوق الإنسان. يظهر تقرير «منظمة العفو الدولية» للعام الماضي، أن السعودية احتلت المركز الأول في قائمة أكثر الدول تنفيذاً لحكم الإعدام، ومنذ أوائل العام الحالي فقط، ذكرت مصادر حقوقية أن أكثر من خمسين شخصاً من جنسيات متعددة، سعودية وعربية وآسيوية، جرى إعدامهم هناك، ومناهضة حكم الإعدام أو المطالبة بتنفيذه في الحدود الدنيا وفقط في حدود أكثر الجرائم خطورة، وتوفير مقتضيات المحاكمة العادلة والنزيهة شيء، وتغميس قضية ذات طابع حقوقي وإنساني في السياسة شيء آخر. لا يمكن للدول العربية المزايدة فيما بينها على سجلها الحقوقي. فتعليقات القراء السوريين والسعوديين على الخبر في مواقع الإنترنت المختلفة، تبعث على الأسى من خيبتنا وبؤس حالنا، وكلا الطرفين يكيل الاتهامات لحكومة الطرف المقابل في الانتهاكات، نوعاً وكماً، وكأن في الأمر منافسة على إظهار الأبرع في الانتهاك، وكأنهم ينظرون إلى قضية الحقوق والحريات بعيون سلطات بلادنا وكما تريد لها أن تكون موضوعاً دعائيا لا يظهر إلا إن تعلق بالآخر غير المستحب. وموضوعاً موجباً لإثارة الكراهية والنقمة بين المواطنين في البلدين بدل أن توحدهم على قضية عادلة تهمهم جميعاً. قلة قليلة هي التي تناولت الموضوع بمعزل عن موقفها السياسي من السلطتين، تأييداً أو مناهضة لحكم الإعدام ومناقشة لعدالة إجراءات المحاكمة. ضد حكم الإعدام بالنسبة لنا كمناهضين لهذه العقوبة، مع المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع وحقوق السجين. تلك هي الرسالة كما يجب أن تكون، وأي إضافات أخرى، وإن اتفقت ظاهراً مع الهدف، قد تضر أكثر بكثير مما تنفع، وفي السياسة لا أعداء ولا أصدقاء. يختلفون ويتفقون ويختلفون، ودائما وفي الحالات كلها تبقى حقوقنا هي الضحية، هم أرادوها كذلك، وكثيرون، بوعي أو عن غير وعي، يسهمون في تعزيز موقعها البائس هذا.* كاتبة سورية