التشبه بالجنس الآخر... ورطة قانونية!
هل إطالة الشعر تشبه بالنساء وقص البوي تشبه بالرجال؟!
يواجه ما سمي قانون التشبه بالجنس الآخر تناقضات عملية من جراء تطبيقه، بدءاً بتجاهل القانون لمعنى التشبه بالجنس الآخر وحظر التشبه بكل صوره، في حين تجاهل التشريع تحديد الصور المحظور التشبه بها، وهو ما يُعرّض حريات الشخصية للاستيقاف تحت ذريعة تطبيق القانون. .
في الوقت الذي يتعين من مجلس الأمة إصدار المزيد من التشريعات الداعمة للحريات، يأتي في كل مرة ليثبت تراجعه في قضايا الحريات والتشريعات الحديثة شاهدة على ذلك، والتي كان آخرها ما سمي «بحظر التشبه بالجنس»، والذي يمثل إضافة غير موفقة على قانون الجزاء الحالي على نحو لا يقصد من ورائه تطبيقه وذلك لعدم إمكان ذلك. وينص التشريع الجديد الذي يمثل إضافة على إحدى نصوص قانون الجزاء انه يعاقب بالحبس مدة لاتتجاوز سنة واحدة وبغرامة لاتتجاوز الف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل «من أتى إشارة أو فعلا مخلا بالحياء في مكان عام بحيث يراه أو يسمعه من كان في مكان عام، أو تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور»، ويثير النص الذي أقره المجلس تساؤلات كثيرة وهي كالآتي: أولاً: جاء التشريع ليبحث حالتين مختلفتين تماما، الأولى بحثه لجريمة الفعل الفاضح في مكان عام بقوله كل من أتى إشارة أو فعلا مخلا بالحياء في مكان عام، وهي جريمة منصوص عليها منذ صدور قانون الجزاء الكويتي عام 1960، إلا أن المشرع أقحم الفقرة الثانية بالمادة وهي «أو تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور» وسياق الفقرة السابقة بالتي تسبقها له مدلول آخر سيتم شرحه في البند ثانيا، لكن بالنظر إلى النص يتبين عدم انسجامه، وكل فقرة تناقش قضية تختلف عن الأخرى الأولى الفعل الفاضح والثانية التشبه! المكان العام ثانياً: بقراءة النص يتبين أن الشخص المتشبه الذي يقصده القانون والمطلوب عقابه هو ذلك الموجود في المكان العام، وبالنظر إلى مفهوم المكان العام نجده وفق المفهوم الذي وضعه قانون الجزاء الكويتي بأنه كل مكان يتردد عليه عامة الناس، وبالتالي يكون مكانا عاما، الأسواق والوزارات والحدائق والمتنزهات والأندية الرياضية، وبالتالي فإن التشبه في مكان خاص ومغلق كديوانية أو اجتماع أو حفلة أو أي مكان لايمكن وصفه بأنه عام جائز، وبالتالي فإن حكمة التشريع ليست حظر التشبه بالجنس الآخر، وإنما هي محاولة الحد من هذه القضية، بدليل أن النص حصر منع التشبه بمكان عام. ثالثاً: حظر التشريع التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، وتطرح هذه الفقرة تساؤلات عديدة، أولها ما معنى التشبه بالجنس الآخر والذي قصده المشرع؟ وثانيا ما صور التشبه؟ وثالثا كيف سيطبق هذا النص؟ ورابعا ما الجهة المخولة بوضع اللائحة التنفيذية لهذا النص المبهم هل الداخلية أم لجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف أم وزارة الصحة؟ جملة من التساؤلات بالتأكيد لم تكن في ذهن المشرع الكويتي الذي بات يدخلنا في كل تشريع في ورطات لا تُعد ولاتحصى، وفي تساؤلات سيطرحها الواقع العملي لدى تطبيق القانون دون أن يدرك واضعو القانون خطورة مايتم إقراره من نصوص دون أن يكلفوا أنفسهم البحث في ما ينم إقراره فما معنى التشبه؟ مفهوم التشبه بالبحث في أمر التشبه الذي أغفله التشريع سيواجه مشاكل عملية أهمها، ما معنى التشبه، إذ لهذا المصطلح تعاريف شرعية وقانونية وطبية ونفسية أي تلك التعاريف نطبقها بالنص، خصوصا أن قضية التشبه تختلف من مجتمع وآخر، فضلا عن أن هناك سلوكيات كانت مرفوضة في السابق أصبحت اليوم مقبولة لدى المجتمع، وبالتالي من يحكم أمر التشبه أم ان واضعو التشريع تركوا هذا الأمر لكي يكون محل استنباط المجتمع حتى لايدخلوا في مشاكل مع نص المادة 30، التي تنص على أن «الحرية الشخصية مكفولة». قصد النص في إشارته إلى التشبه إلى حظر جميع صور التشبه والسؤال ما هي الصور؟ لم يحددها وتركها دون بحث ليدخل الجهة المنفذة في مشاكل عملية لا تعد ولا تحصى فما المقصود بالصور؟ فهل إطالة الشعر تشبها أم تقصيره من قبل النساء على شكل قصات «البوي» تشبها بالرجال؟ أم ان وضع بعض الكريمات المبيضة للبشرة هو تشبه أم ارتداء الجينز من قبل الفتيات والمقصور على الرجال هو تشبه ؟ أم ان السير بخطوات غير مستقيمة من قبل الرجال يعد تشبها ؟ والسؤال الأكبر من كل هذا كيف يستطيع متولي أمر الضبط تقدير مايتم فعله تشبها أم لا؟ وهل بهذه السهولة تعرض حريات الناس الشخصية بسيرهم وزيهم وتسريحاتهم لهوى مأموري الضبط؟! . الحرية الشخصية رابعاً: يتعارض النص مع نص المادة 30 من الدستور التي تنص على أن «الحرية الشخصية مكفولة» إذ ان النص لم يحدد الصور التي يحظر فيها التشبه وهو ما يجعل حرية الأفراد عرضة للافتئات من قبل مأموري الضبط القضائي، فعدم تحديد صور التشبه بالجنس الآخر سيلقي بآلاف الشباب والشابات في السجون تحت ذريعة تطبيق القانون. خامساً: لم يدر في خلد المشرع كيفية التصرف مع الأجانب الزوار الذين يتعين احترام عقائدهم وفق نصوص الدستور التي تؤكد على أن حرية الاعتقاد مطلقة، وبالتالي قد يمثل سلوك أو شكل ما جزءا من عقيدة الوافدين مخالفة للنص الموضوع الذي يحظر جميع الصور كما أشار النص، وهو ما يوصم النص بمخالفة الدستور مرة أخرى لحرية الاعتقاد. وبعد سرد جملة التناقضات التي يخلقها التشريع يتعين على المشرع الكويتي إعادة النظر في النص الموضوع، الذي يُعد مخالفاً للحرية الشخصية ولحرية الاعتقاد اللتين أولاهما الدستور أهمية قصوى.