الحكومة وعام الخيبة!
الإمارات وقطر والبحرين قامت جميعها منذ أشهر بمراجعة رواتب موظفيها، وأقرت لهم زيادات بحسب التخصصات والدرجات الوظيفية، ولم تعصف ببلدانهم رياح الإضرابات والاعتصامات، ولم نشاهد صيحات الاحتجاج والتهديد والوعيد في صحفهم، فما الذي يوجد عندهم ولا يوجد عندنا؟
لو أردنا أن نؤرخ لهذه السنة في الكويت على طريقة الأولين لأسميناها سنة خيبة الكوادر، لأني لا أظن أن هناك خيبة أكبر من خيبة الأطباء وموظفي الجوية الكويتية والقطاع النفطي، وهم من ناموا يعدون الدنانير في أحلامهم وأفاقوا عليها وقد تبخّرت.لم يفلت من هذه المقصلة التي قصمت أعناق الأحلام إلا أعضاء هيئة التدريس الذين مر كادرهم «في غفلة من الزمن»! إن تجميد الكوادر المالية وإيقافها بهذه الطريقة الثقيلة، يضعنا حتماً في مواجهة العديد من التساؤلات المحيرة، يأتي على رأسها التساؤل الصعب الهضم: هل وصلت حال هزال وضعف وعجز حكومتنا برئيسها وبكل وزرائها ومستشاريها ومؤسساتها ومتخصصيها وموظفيها إلى أن صارت اليوم تحتاج في كل فينة وأخرى إلى تدخل سمو أمير البلاد لتقويم مسارها، بل وتغيير اتجاهه بالكلية، خصوصا في شأن إداري مباشر بحت كتعديل ومراجعة سلالم رواتب موظفي الدولة؟! إن هذا لأمر عجيب!إن من الواجب على من يحلو لهم اليوم توجيه سياط اللوم إلى الموظفين والعمال الذي قاموا باعتصامات وإضرابات للحصول على حقهم بمراجعة كوادرهم المالية، وأن يتهموهم باللامسؤولية مطالبين بتطبيق الجزاءات الوظيفية عليهم، أن يتوجهوا عوضاً عن ذلك بالسؤال إلى ديوان الخدمة المدنية ورئيسه عما كان يقوم به طوال السنوات الماضية؟ وأين هو من المراجعة الشاملة لرواتب موظفي الدولة بشكل دوري كما تقول أبجديات النظم الإدارية في كل العالم؟! لو كانت الحكومة ممثلة بديوان الخدمة المدنية تقوم بهذا الدور المفترض، لما لجأ أحد إلى الإضراب أو الاعتصام، ولما أضيفت فضيحة جديدة إلى سلسلة فضائحنا الإدارية المتتالية أمام العالمين في الشرق والغرب!الإمارات وقطر والبحرين قامت جميعها منذ أشهر بمراجعة رواتب موظفيها، وأقرت لهم زيادات بحسب التخصصات والدرجات الوظيفية، ولم تعصف ببلدانهم رياح الإضرابات والاعتصامات، ولم نشاهد صيحات الاحتجاج والتهديد والوعيد في صحفهم، فما الذي يوجد عندهم ولا يوجد عندنا؟ ولماذا لم نرهم يلجأون إلى البنك الدولي وغيره بحثاً عن الحلول كما نفعل اليوم؟! هل لديهم عقول تتميز عن عقولنا؟ وهل لديهم أموال أكثر من أموالنا؟ أم هل لديهم حكومات وقرار يختلف عن حكومتنا وقرارها؟... لن أتطوع بالإجابة عن هذا السؤال، وسأتركه مفتوحاً لخيال القارئ ولا أظنه سيتوه عن الإجابة!الإيجابية الوحيدة في كل ما حصل، أن سمو الأمير قد وضع القطار على الطريق السليم. صحيح أن القطار قد عاد إلى نقطة الصفر، لكنه على الأقل سيسير في الطريق الصحيح هذه المرة. ونرجو أن تحسن الحكومة هذه المرة قيادته وإيصاله إلى وجهته السليمة، وأن نرى مراجعة سليمة للرواتب لكل موظفي الدولة، كل بحسب تخصصه وقطاع عمله، وفقاً لأسس علمية موضوعية تقارن الكويت بسوق العمل من حولها، وليس لحسابات سياسية وذراً للرماد في العيون.الناس ستنتظر انتهاء المهلة التي أعلنتها الحكومة حتى نهاية شهر فبراير المقبل، والكل على أمل ورجاء أن تفلح الحكومة هذه المرة، وألا تكون خيبة أخرى تُضاف إلى قائمة خيباتها المتتالية، ليصبح العام بالفعل عام الخيبة.. خيبة الكوادر!