Ad

لا شك أن تجارة المخدرات بين سهل البقاع وإسرائيل بإشراف وإدارة «حزب الله»، تدرُّ على «حزب الله» أموالاً طائلة، يستطيع معها الحزب إقامة شبكة كبيرة من الخدمات الاجتماعية في الجنوب اللبناني، ودفع جزء كبير من رواتب عناصره، من خلال المال الذي سبق لحسن نصر الله أن وصفه بالمال «النظيف والشريف والحلال»!

استعمال الأسلحة غير التقليدية ليس بدعة ولا جديداً في عالمنا، فقد ظهر في قاموس الحروب أخيراً ما يُطلق عليه بـ«القتل البارد». وأثبت العلم الحديث أنه يمكن التلاعب بالتركيب الجيني لعناصر الحرب البيولوجية القائمة مثل «الأنثراكس»، المسبب لمرض الجمرة الخبيثة، وذلك لزيادة إمكانية استخدامها كسلاح فعّال، فعلى سبيل المثال، يمكن جعلها مقاومة للمضادات الحيوية والعوامل البيئية مثل الجفاف والأشعة فوق البنفسجية التي تجعلها غير ضارة في الأحوال العادية. كما أثبت العلم الحديث، أنه يمكن تحويل الميكروبات غير الضارة إلى ميكروبات خطيرة، والتلاعب بهندسة الميكروبات غير الضارة التي نحيا معها يوميا مثل E.coli حتى تنتج سموماً خاصة تسبب المرض، وتكون في المستقبل سلاحاً فتاكاً.

الحروب الجرثومية

لم تتوانَ البشرية عن استخدام المنجزات العلمية لأغراض تدميريّة ضارة، فاليابانيون استخدموا الجراثيم القاتلة ضد الشعب الصيني في عامي 1937، و1938 التي تُعرف بمذابح «نانكين»، فعالم التاريخ الياباني «ماكوتو اويدا» الأستاذ في جامعة «ريكيو» بطوكيو، عثر في عام 2006 على دليل يفيد بوقوع حرب جرثومية يابانية في الصين. ونشر اويدا كتاباً بهذا الخصوص عام 2007 بعنوان «الطاعون والقرية» فضح فيه استعمال الجيش الياباني للجراثيم لقتل المدنيين الصينيين.

وقال اويدا: «إن الحرب الجرثومية اليابانية، دمّرت الهيكل الاجتماعي في الريف الصيني، وحتى الروابط الأسرية»، كما أظهرت دراسة قام بها علماء صينيون وأجانب، أنه بين عام 1931 و1945 سقط ما يقرب من 270 ألف شخص صيني ضحايا للحرب الجرثومية اليابانية.

إسرائيل والحرب الجرثومية

يقول الباحث الفلسطيني سلمان أبو ستة: «إن إسرائيل كانت أول من قام باستعمال الحرب الجرثومية منذ عام 1948، ضد الفلسطينيين لقتلهم ومنعهم من العودة إلى أوطانهم، وكُشف النقاب عن هذه الجريمة أخيراً، من واقع ملفات الصليب الأحمر في جنيف التي أصبحت متاحة للباحثين الآن، فبعد سقوط حيفا في 22/4/1948، تدفق آلاف المهاجرين من حيفا إلى عكا، وازدحمت بسكانها، وكانت لا تزال تحت الحماية البريطانية، وفي الأسبوع الأول من مايو، بدأت القوات الصهيونية بمحاصرة المدينة، وكانت مياه الشرب تصل إلى المدينة من قناة تأتي من القرى الشمالية، وفي نقطة ما عند القناة، حقن الصهاينة المياه بجرثومة التيفود، وسرعان ما انتشرت حمى التيفود بين الأهالي والجنود البريطانيين كذلك».

ويؤكد الباحث الفلسطيني أبو ستة، أن بن غوريون لم يتردد لحظة في استعمال الجراثيم والميكروبات ضد العرب حتى قبل إنشاء إسرائيل، وهذا ما يؤكده بكل وضوح د. افنر كوهين، الباحث في «مركز الدراسات الدولية والأمن»، في جامعة ماريلاند الأميركية، ومؤلف كتاب «إسرائيل والقنبلة»، وقد نشر بحثاً في مجلة The Non Proliferation Review (عدد الخريف، 2001)، يبرر فيه الكثير من أعمال إسرائيل في مجال الأسلحة الجرثومية، ولكنه يثبت أن بن غوريون قبل إعلان الدولة، قام بجمع العلماء اليهود الألمان -وبعضهم عمل مع النازيين- من أجل إنشاء وحدة في إسرائيل للحرب الجرثومية، وكان هدفه واضحاً، حيث كان مستعداً دائماً لإبادة العرب للخلاص منهم والاستيلاء على أراضيهم، فإن لم يكن ذلك بالمذابح والطرد، فليكن بالإبادة الجماعية بواسطة الجراثيم.

«حزب الله» و«حرب الأفيون»

وفي الأيام الماضية كُشف النقاب عن حرب جديدة يخوضها الآن بصمت شديد «حزب الله» مع إسرائيل، وسلاحها الوحيد هو إغراق الأسواق الإسرائيلية بشتى أنواع المخدرات لقتل إسرائيل من الداخل على ما يبدو، بعد أن عجز العرب خلال ستين عاماً من قتلها من الخارج، بل انها ازدادت قوة بعد كل حرب شنّها العرب عليها من الخارج، واليوم يجرّب «حزب الله» حرباً من نوع جديد في القرن الحادي والعشرين، وهي حرب المخدرات التي تذكرنا بـ«حرب الأفيون» الأولى، في القرن التاسع عشر، التي كانت سبباً في غزو بريطانيا للصين عام 1839-1842، تحت ذريعة «حرية التجارة»، لإجبارها على تعاطي المخدرات التي كانت تزرعها الهند تحت إشرافها، وكان من نتائجها احتلال بريطانيا لهونغ كونغ، وهي أقذر حروب التاريخ على الإطلاق.

«حرب الأفيون» ضد مَنْ؟

يقول الباحث الفلسطيني صدقي موسى، إن «حرب الأفيون» داخل فلسطين المحتلة ستكون ضد عرب إسرائيل، أكثر منها ضد اليهود أنفسهم. فإحصاءات «هيئة علاج وتأهيل مدمني المخدرات والكحول في فلسطين عامة، و«دائرة الإحصاء المركزي ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات»، تفيد بأن هناك ما بين 40 و 60 ألف مُتعاطٍ للمخدرات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينهم 15 ألفاً في مدينة القدس وحدها، وبلغت نسبة المدمنين العرب إلى المدمنين اليهود في فلسطين المحتلة عام 1948، %29، مع العلم أن نسبة السكان العرب إلى اليهود هي %18 فقط.

وحسب الجهات المختصة، فإن ظاهرة الإدمان والتعاطي في ازدياد مستمر، وتتركز بين الشباب الذين يشكّلون %55 من المجتمع الفلسطيني، وأكبر بؤرة لهذا النشاط والتأثير في مدينة القدس.

فماذا يريد حزب الله من شنّه «حرب الأفيون» على إسرائيل، هل يريد تدمير إسرائيل، أم قتل ما تبقى فيها من العرب؟

«حزب الله» وميليشيا الأفيون

كشفت التقارير أخيرا أن قيس عبيد (تاجر المخدرات) القيادي السابق في حزب الله، هو الذي يقود الآن «حرب الأفيون» ضد إسرائيل، وقد اقتنع حسن نصرالله أخيراً، بأن تعويم إسرائيل بالمخدرات، سيجعلها تضيع، في ما لو انتشرت المخدرات في مجتمعها بسرعة، ولهذا السبب بدأ «حزب الله» منذ سنوات، يشرف على زراعة الحشيش في منطقة البقاع اللبنانية، وإنتاج الأفيون والهيروين في مختبراته، وإقامة علاقات عمل مع «كارتيلات» المخدرات في أميركا الجنوبية.

ويقول أليكس فيثمان، المعلق في صحيفة «يديعوت احرونوت»، إن «حزب الله» نجح في تصدير كميات كبيرة من المخدرات إلى إسرائيل عن طريق تجنيد تجار المخدرات اللبنانيين المتعاونين مع تجار إسرائيليين من غير اليهود ممن خدم بعضهم في الجيش، بينما تحدَّر البعض الآخر من عشائر تعمل في تجارة المخدرات.

تجارة الأفيون والمال النظيف

ولا شك أن تجارة المخدرات بين سهل البقاع وإسرائيل بإشراف وإدارة «حزب الله»، تدرُّ على «حزب الله» أموالاً طائلة، يستطيع معها الحزب إقامة شبكة كبيرة من الخدمات الاجتماعية في الجنوب اللبناني، ودفع جزء كبير من رواتب عناصره، من خلال المال الذي سبق لحسن نصرالله أن وصفه بالمال «النظيف والشريف والحلال»!

ولو عدنا إلى ما قاله الباحث الفلسطيني صدقي موسى عن انتشار المخدرات بين عرب إسرائيل، لوجدنا أن ضرر هذه الحرب ليس موجهاً ضد يهود إسرائيل، ولكن ضد عربها المقهورين أيضاً، وكذلك ضد سكان غزة المعزولين، والتي انتشرت فيها المخدرات بشكل كبير في عهد «حماس» الميمون، وأصبحت متاحة عبر رفح والعريش، للتهريب إلى مصر التي تعتبر أكبر سوق للمخدرات في الشرق الأوسط، بعد إيران.

* كاتب أردني