خذ وخل: قاموس الروشنة!

نشر في 28-10-2007
آخر تحديث 28-10-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

أعترف بأني فرحت جداً إلى حد «الانشكاح» بعد عثوري على قاموس اللهجة الجديدة لشباب مصر المحروسة، ولم أجد حرجاً أن أضعه بجوار القواميس العربية القديمة إياها! رغم أن غلافه يشبه ملابس المغني الشعبي «شعبولا».

*هل حدث لك وسمعت حواراً بين ثلة من شباب الجيل الجديد بمصر المحروسة؟! أراهنك بجمل إذا تمكنت من معرفة «اللغة» التي يتواصلون بها، مهما كنت ضليعاً في معرفة العامية المصرية! والعبد لله يزعم أنه فقيه بها، مُلِّم بقاموس لغة الحياة اليومية بكل ما تنطوي عليه من اشتقاقات وتصريف ونحت واختزال ومأثورات شعبية، وما إلى ذلك من أسرارها ودقائقها، ومع ذلك يبدو له كلام الشباب وخطابهم مثل الطلاسم والأحاجي اللتين يحار المرء في فهم معناها. وخذ عندك مثلاً هذه العبارات التي قد تسمعها في سياق حديث شباب «الروشنة»: فلو سمعت عبارة «اقلب اليفطة» أظنك ستقلِّب ناظريك بحثاً عن هذه «اليافطة» المراد قلبها، وسعيا لمعرفة المقصود والمراد. وقد تدهش وتصاب بالعجب العجاب حين يقال بأن «اقلب اليفطة» تعني: غيّر الكلام، وانس الموضوع لينقضي بك الأمر إلى إظهار الوجه الآخر للإنسان! ولا شك في أنك ستقع في حالة «حيص بيص» حين تسمع من يقول لك «استفين أنص في الترنس» وقد تهرش دماغك، وتمسك لحيتك، وتلعب بشاربيك علَّك تصيد المعنى من دون جدوى! مع أن العبارة تعني «كله تمام»!

*ولا تحسب أن العبدلله فقيه في لغة الشباب المشفرة الملغزة، كما يبدو لك للوهلة الأولى، غاية ما هنالك أن في حوزته «قاموس الروشنة» الذي جمع مادته الباحث الأستاذ «ياسر حماية» والصادر عن دار (كنوز 2007 القاهرة).

وأعترف بأني فرحت جداً إلى حد «الانشكاح» بعد عثوري على قاموس اللهجة الجديدة لشباب مصر المحروسة، ولم أجد حرجاً أن أضعه بجوار القواميس العربية القديمة إياها! رغم أن غلافه يشبه ملابس المغني الشعبي «شعبولا» ما غيره! أقول ذلك مع الاحترام الشديد لقاموس «الروشنة» بالطبع! ولست معترضاً البتة على غلاف القاموس ولا متنه لا سمح الله.

فمن حق الشباب التفرد بالزَّي الذي يروق لهم، والتميز بالشكل و«اللوك» الذي يحلو لهم، وما إلى ذلك من ممارسات تؤكد اختلافهم عن الكبار! لكن لغتهم الخاصة تتسم بالفجاجة والابتذال والعدمية، وتفتقر الى طلاوة اللهجة المصرية العامية، وبلاغتها وثرائها وكل صفاتها التي دفعت بأمير الشعراء «أحمد شوقي» الى الخشية على اللغة العربية الفصحى من عامية الشاعر الشعبي «بيرم التونسي» المدهشة، والتي تجلَّت في أزجاله وقصائده المغناة، فضلاً عن نثره العامي الذي كان ينشره في صحافة النصف الأول من القرن العشرين بمصر وفي منفاه القسري بفرنسا. أياً كان الأمر، فهذه سُنة الله في خلقه، وفي هذا السياق يقول الدكتور أحمد خالد توفيق... في مقدمته للكتاب «كان آباؤنا يزغرون لنا حين نستعمل لفظ «سَكّه» بفتح السين، بمعنى الشيء التافه».

هذه هي القصة دائماً إلى يوم الدين. الشباب يبدو غريباً جامحاً بالنسبة الى الكهول، والكهول يبدون ماموثات متحجرة عاجزة عن التعبير بالنسبة إلى الشباب، و«أحمد عدوية» صار تراثاً كلاسيكياً راقياً بالنسبة إلى «شعبولا».

*وأحسب أن من مصلحة مريدي مصر، الذين يختلفون إليها ويزورونها مراراً وتكراراً، تأبط «قاموس الروشنة» وهم يدخلونها إن شاء الله، آمنين مغبة الجهل، وسوء الفهم، والالتباس الذي يمكن أن يحدث لأي زائر يروم الاتصال والتواصل بالشباب بسهولة ويسر... ولا يكون كما الأطرش في الزفة! أما الذي لن يعبأ البتة بكل هذه الهذرة... فلا يلومَنَّ سوى نفسه لو سمع عبارة «يوه! يا دي الخيبة على هذا السائح السكه»!

ويشير المؤلف إلى أن لغة الشباب «الروش» ليست بدعاً وحدها، فثمة «لغات» خاصة بالحرفيين ذوي المهن اليدوية كالصاغة والسمكرية والقهوجية والميكانيكية وغيرهم! ولو كنت من «بني شيشة»، بالإذن من أخينا النائب الدكتور وليد الطبطبائي، وعَنَّ لك أن «تشيِّش»، يستوجب عليك الإلمام بمعرفة أسماء كل أجزاء الشيشة وعِدَتها، لكي يتسنى لك أن تمُجَّها بمنأى عن الكُحة والغصة وغيرهما من منغصات الجهل بـ «الشيش يولوجي»، اللهم إلا إذا كنت ستعاف الشيشة وتختار النأي عن الشيشة ذاتها!

back to top