Ad

حتى في الولايات المتحدة، نجد أن نسب التحرش الجنسي تزداد في الولايات أو المدن التي يُفترض أنها أكثر تديناً وأقل تمدناً وأضعف اقتصاداً، مثل الغرب الأوسط والجنوب. إذ نجد أن العنف الأسري بشكل عام يشكل متنفساً للبعض عن الضغوط اليومية والعُقد النفسية.

كان يفترض أن تكون مقالتي السابقة حول ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال آخر أجزاء هذه السلسلة، لكن وصلني تعليق من إحدى القارئات العزيزات أشار إلى بعض النقاط التي أغفلت ذكرها أو بحثها.

تقول الأخت هدى: «يا أختي بعد أن شبعنا إثارة في المسلسلات... عدنا إلى المقالات المثيرة، هل معقول أن النسبة في السعودية والخليج %25 أعلى من كل العالم العربي!». وتلك نقطة مهمة لا بد من بحثها، لماذا تكثر حالات التحرش - خصوصاً ضمن العائلة - في المجتمعات المغلقة والمحافظة؟ في رأي القارئة الفاضلة، فإن الأرقام مغلوطة «بسبب طبيعة المجتمع هناك وحداثته في التعامل مع هذه النوعية من البحث الميداني والدراسات»، ولسوء أدوات البحث في المنطقة وتأخر مؤسساتها الأكاديمية.

لكن عند التفكير في الموضوع بشكل «أكاديمي» أكثر، فإنه من المنطق أن تكون القراءات أقل من أي مكان في العالم، لأن المجتمعات المتأخرة والمحافظة قلّما تشارك الباحث في تفاصيل أسرية أو خصوصية. فالعُرف في المنطقة هو «الستر» وتجنب الفضائح. لذا عندما تأتي النتائج بهذه الأرقام المذهلة فالافتراض العلمي يجب أن يشير إلى أن الواقع أسوأ بكثير.

إن الحرمان الجنسي والتربية القمعية وغير السوية والضغوط الاجتماعية من الأمور المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاضطرابات المسلكية بشكل عام والجنسية بشكل خاص. فحتى في الولايات المتحدة نجد أن نسب التحرش الجنسي تزداد في الولايات أو المدن التي يفترض أنها أكثر تديناً وأقل تمدناً وأضعف اقتصاداً مثل الغرب الأوسط والجنوب. إذ نجد أن العنف الأسري بشكل عام يشكل متنفساً للبعض عن الضغوط اليومية والعقد النفسية. لذا إحصائياً ومنطقياً، منطقتنا لا تشكل شذوذاً عن هذه الأنماط شبه العالمية.

أما عن بقية الوطن العربي، فإن الفرق في الأرقام يعود إلى عاملين أساسيين في رأييّ؛ أولهما، التفاوت في درجات الاهتمام بالتعليم والتربية والتوعية الاجتماعية والنفسية. والعامل الثاني يعود إلى اختلاف المتغيرات المدروسة. فعلى سبيل المثال الدراسات الأردنية تشير إلى وجود 400 أو 500 حالة تحرش جنسي بالأطفال سنوياً، أغلبها من أفراد خارج العائلة. لكن بالتدقيق في تفاصيل الدراسة نجد أن هذا الرقم يعود إلى الحالات التي يقوم الأهل بتبليغ السلطات عنها. وهذا بحد ذاته تفسير للفرق في الأرقام وفي طبيعة الاعتداءات. وعليه، فإن الأرقام لا تعكس واقع الحالات التي لا تصل إلى الشرطة ولا الحالات التي يكون فيها رب الأسرة أو ولي الأمر هو المعتدي.

من ناحية أخرى، حذرت القارئة الفاضلة من «إثارة هذه القضية للأطفال، كما حدث في المغرب»، حتى لا تستغل من قبل الأطفال والمراهقين للهروب من المنزل أو «لحل منازعات أسرية». وهذه للأسف الحجة نفسها التي تُستخدم لرفض التثقيف الجنسي والمنطق ذاته خلف الاعتراض على عمل المرأة أو خروجها من المنزل أو حتى تعليمها.

إن الحل هو دائما التوعية والتثقيف والدعم، كما سبق أن أشرت في مقالة سابقة. فمعالجة قضية بهذا الحجم والحساسية والخطورة لا تأتي بمجرد حملات إعلامية أو ملصقات - كما أشارت الأخت هدى - فالعلاج يتطلب مؤسسات قادرة ومؤهلة للتعامل مع نفسيات الأطفال وحساسيات المجتمع، وفي حال ندرة أو ضعف تلك المؤسسات، فان قرع جرس الإنذار هو أضعف الإيمان.