عن فينوغراد!
كان على «حزب الله» أن يفعل ما فعلته إسرائيل وأن يشكل لجنة ليست حزبية إنما من قضاة لبنانيين محايدين مشهود لهم بالكفاءة والاستقلالية لتحقق في ما جرى ولتقرر ما إذا كانت خطوة هذا الحزب صائبة عندما قام باختطاف الجنديين الإسرائيليين أم أنه كان من الحماقة والطيش أن يقوم بما قام به.
جدد «حزب الله» أعراس الفرحة بـ «الانتصار الإلهي» بعد صدور تقرير لجنة «فينوغراد» فالقراءة «الحولاء» لهذا التقرير التي ترى الرغبات ولا ترى الحقائق تقول إن إسرائيل اعترفت بهزيمتها المنكرة في حرب يوليو 2006، وإنه « ليخسأ الخاسئون»، وإنه من حق المنتصر أن يقبض ثمن انتصاره وأن يفرض إرادته على أطـــراف المعادلة اللبنانية، وإنه على حكومة فؤاد السنيورة أن تبدأ الرحيل لأنها «منتج إسرائيلي» ولأن حسن نصرالله مـرَّغ أنف «العدو الصهيوني في التراب»!!ياليت لو أن «حزب الله» مرَّغ أنف «العدو الصهيوني» ولو أنه استكمل انتصاره الإلهي بالزحف على تل أبيب وعلى القدس الشريف وأنهى دولة إسرائيل وحقق أمنية إلقائها في البحر، لكنه في الحقيقة لم يفعل ولم يتذكر أن صدام حسين رفع ذات يوم شعار: «يا محلى النصر بعون الله»، وكانت النتيجة أن العراق انتهى إلى هذه النهاية التي لا نهاية مثلها لا عندما دكَّ فرسان المغول بحوافر خيولهم قلب عاصمة الرشيد وألقوا بمخطوطاتها وكتبها وأوراقها في نهر دجلة، ولا بعد ذلك. لم يتحدث تقرير لجنة «فينوغراد» عن هزيمة نكراء لحقت بإسرائيل نتيجة هذه الحرب ولا عن انتصار «حزب الله» هذا الانتصار الإلهي الذي لايزال يتغنى به فهو تحدث عن تقصير وعن إخفاقات وعن أخطاءٍ تسببت في عدم تحقيق هدفي حرب يوليو 2006 اللذين هما: الأول، استعادة الجنديين اللذين كان خطفهما السبب المباشر لبدء العمليات العسكرية. والثاني، ضرب البنية التنظيمية لحزب حسن نصرالله ودفع قواعده الصاروخية إلى الخلف بعمق عشرة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية. لكن الذين يريدون فرض انتصارهم الذي لا يشبهه إلا انتصار صدام حسين في «أم المعارك»، على الشعب اللبناني وأطراف المعادلة اللبنانية لم يقرؤوا تقرير «فينوغراد» القراءة الحقيقية والصحيحة ولم يتذكروا الخسائر البشرية والمادية والنفسية الهائلة التي ألحقتها هذه الحرب بلبنان، ولا أن خسائر الجيش الإسرائيلي لم تتجاوز الثلاثين قتيلاً، وأن الخسائر الإسرائيلية المدنية معظمها من العرب الفلسطينيين من أبناء الجليل والناصرة وعكا وحيفا وترشيحا وأم الفحم وشفا عمرو. كان على «حزب الله» أن يفعل ما فعلته إسرائيل وأن يشكل لجنة ليست حزبية إنما من قضاة لبنانيين محايدين مشهود لهم بالكفاءة والاستقلالية لتحقق في ما جرى ولتقرر ما إذا كانت خطوة هذا الحزب صائبة عندما قام باختطاف الجنديين الإسرائيليين أم أنه كان من الحماقة والطيش أن يقوم بما قام به ويضع في أيدي الإسرائيليين الذريعة التي كانوا ينتظرونها ليلحقوا بلبنان كل هذا الدمار الذي ألحقوه به وليقتلوا أكثر من ألف من المدنيين الأبرياء وليحققوا بالنتيجة هدف الشريط الحدودي العازل الذي ترابط فيه القوات الدولية الآن.لم يفعل «حزب الله» هذا، وهو لم يعترف بأنه ارتكب حماقة ما بعدها حماقة عندما قام بما قام به واستدرج إسرائيل إلى هذه الحرب المدمرة التي ستبقى بنية لبنان التحتية الاستراتيجية تعاني مما سببتها لسنوات وعقود طويلة، بل إنه بدلاً من هذا بادر إلى الانقضاض على رموز الكيانية اللبنانية- الحكومة ورئاسة الجمهورية والجيش- وأدخل بلاد الأرز في هذا الفراغ المقصود الذي إن لم تقع معجزة في زمن لا معجزات فيه، فإن الدروب ستكون مفتوحة كلها أمام العودة إلى الحرب الأهلية المدمرة.إنها عادة عربية معروفة فالذين، بشعاراتهم وتصرفاتهم ونزقهم وعدم بُعْدِ نظرهم وضحالة تقديرهم للأمور، دفعوا العرب إلى هزيمة يونيو 1967 التي لا هزيمة مثلها لم يعترفوا بأن تلك الهزيمة كانت هزيمة، وهم لم يشكلوا ولو لجاناً شكلية للتحقيق في ما جرى وأسبابه وبدل ذلك فإنهم أعلنوا بلا خجل ولا حياء، بينما كانت الشعوب العربية تعيش حالة حزن تاريخي: «... لقد انتصرنا مادام أن العدو لم يستطع إسقاط الأنظمة الثورية... التي كان إسقاطها هو الهدف الحقيقي لهذه الحرب»!!* كاتب وسياسي أردني