يوكيو ميشيما... اعترافات أمّة!
إن قيمة أي اعتراف تنبع من كونه يبوح بسر، أو يكشف أمراً لم يكن من الممكن الوصول إلى حقيقته لولا جراءة المعترف، ومن هنا يأتي أدب الاعتراف، أو رواية السيرة الذاتية بوصفها واحدة من أصعب الكتابات الإبداعية، فالأمر هنا يتجاوز شخص الكاتب وجراءته، ويتصل ببيئته الاجتماعية، ومدى تقبلها لما سيبوح به.
على أن تاريخ أدب الاعتراف، ورواية السيرة الذاتية، شكّل على الدوام خروجاً مرفوضاً لدى معظم المجتمعات، لأن المجتمعات الإنسانية تعارفت على إغماض بصرها وسمعها عن ممارسات حياة الخفاء والسر، رافضة رفضاً تاماً خروجها إلى العلن، ومحاربة كل من يتجرأ على فضح أسرارها، سواء كانت تخصه أو تخص بيئته، حتى لو كان ذلك البوح هو حياة وهواجس وقناعات الكاتب الشخصية. «في 25 نوفمبر 1970 حزم كيميثاكي هيراوكا، الشهير بيوكيو ميشيما أشهر أدباء اليابان في القرن العشرين، كليتيه بقطعة من النسيج القطني، وانتضى سيفه التقليدي القصير، ومن دون تردد أو وهن أغمده في أحشائه، منتزعاً إياها في انتحار علني». إن هذا الانتحار إذا كان قد وضع حداً لحياة ميشيما المولود في 14 يناير 1925، فإنه أضاف تساؤلاً كبيراً إلى مجمل الأسئلة التي تحيط بأدبه، خاصة تلك المتعلقة بحياته الخاصة، التي تسلط رواية «اعترافات قناع» المنشورة عام 1950 الضوء عليها، لا سيما إذا ما أخذ في الاعتبار جراءته في تعرية دقائق نزعاته ورغباته الشخصية وضعفه الإنساني. لقد كتب ميشيما أول أعماله الأدبية وهو في السادسة عشرة من عمره، بينما نشر روايته الأولى الكبرى «السارقون» عام 1949، ولم يتجاوز الرابعة والعشرين، وبعدها بعام نشر رواية «اعترافات قناع»، التي صنعت شهرته المدوّية، وقدمت المفاتيح الأساسية لفهم عالمه الروائي في رباعيته «بحر الخصب». «اعترافات قناع» تقدم سبراً لعوالم ميشيما النفسية في ريعان شبابه. عبر سرد روائي متدفق، يدع فيه ميشيما كل قيم التحفظ جانباً، ويقف عارياً في مواجهة الحقيقة في أكثر لحظات الإنسان ضعفاً. إن قارئ الرواية المتفحص يقف مشدوهاً أمام قدرة ميشيما على اختراق قشرة النزعات الإنسانية والغوص إلى عمقها، وترجمة أدق المشاعر الإنسانية بصدق يصعب على الوصف. وإذا أخذ في الحسبان العمر الفتي الذي كتب فيه ميشيما الرواية، فإنه يصبح من المسلم به القدر الرهيب من الموهبة والعبقرية اللتين يتمتع بهما هذا الكاتب. إن خطورة «اعترافات قناع»، تكمن في كونها تمثل خروجاً من الخاص إلى العام، وهي بالتالي تقدم تفسيراً للكل من خلال النظر إلى حال الجزء، وإذا ما تم ربط ذلك بالفترة الزمنية والوضع الاجتماعي اللذين نشر فيهما ميشيما روايته، فيمكن القول إن الاعترافات الخاصة إنما تمثل ضمير الأمة في أصدق تجلياته، ومن هنا يمكن النظر إلى ميشيما بوصفه يمثل جيلاً يابانياً عاش أوجاع الحرب والهزيمة، حتى تيقّن من عدم قدرته على التواصل مع المستقبل. رواية «اعترافات قناع» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بترجمة كامل يوسف حسين المتمكّنة، جاءت بطباعة مخِلّة ومليئة بالأخطاء المطبعية المعيبة، لدرجة تفسد القراءة وتسيء إلى العمل، فمن النادر أن تخلو صفحة من خطأ إملائي أو مطبعي، ما أضاع الكثير من متعة القراءة، وترك طعماً مراً في نفسية القارئ، يضاف إلى أجواء الرواية الحزينة.