حَطّب كوندوليزا
يبدو أنه كلما زاد تخبط أميركا في المنطقة، زاد إصرارها على المضي في سياستها الوقحة والحمقاء في آن واحد، وليتها تتعلم قليلاً من فرنسا التي تجاوزت عهد الرئيس السابق شيراك وبدأت بسياسة الحوار مع الجميع.
مرة أخرى تحل علينا وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس كضيفة ثقيلة على المنطقة، محملة بحطب جديد على شكل صفقات عسكرية، فقد قررت واشنطن أخيرا زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل لتبلغ 30 مليار دولار للعشر سنوات المقبلة، بينما قررت بيع دول الخليج أسلحة بقيمة 20 مليار دولار، وستحصل مصر على أسلحة بقيمة نحو 13 مليار دولار، ولعله من الصعب مقاومة إغراء التعليق على هذا الخبر بجملة من الملاحظات والمفارقات أيضا.أولى هذه الملاحظات أن هذه الأسلحة ستُعطى مجاناً للكيان الصهيوني بينما سنضطر نحن إلى شرائها! ومن المفترض أن تطلب الدول شراء أسلحة وفق احتياجاتها، لكن أن تقرر واشنطن بنفسها بيع أسلحة بهذه القيمة الكبيرة على دول الخليج تحديداً فهذا يدل على الهدف ليس«دعم استقرار المنطقة»، كما تقول «كوندي»، بل الهدف هو «شفط» الأموال التي حصلت عليها هذه الدول نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ودعم نظرية هنري كيسنجر القائمة على إدارة الأزمات وليس حلها، حتى تستطيع أميركا بيع المزيد من الأسلحة وابتزاز الدول مقابل توفير الحماية لها. كما حاولت وزيرة الخارجية إثارة فتنة بين الدول العربية عندما قالت إن تسليح هذه الدول «موجه ضد سورية»، وهو تطبيق عملي لمقولة مارتن إنديك الشهيرة «فرق تسد»، مع إننا لسنا أطفالا حتى يختار لنا غيرنا أعداءنا؟ والمفارقة أن الهدف من زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل، حسب ما صرحت به واشنطن، هو « الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة»، إذاً فما الفائدة من شراء دول الخليج لهذه الأسلحة ما دام لن يخلق توازناً عسكرياً في الشرق الأوسط؟! مع ملاحظة أن نوعية الأسلحة المهداة لإسرائيل هي (full option)، بينما نحصل نحن على (الستوكات الزائدة).تجيب كوندوليزا على هذا السؤال بأن الأسلحة موجهة ضد إيران، مع أن دول الخليج واعية للمخطط الذي يستهدف خلق صراع عربي- إيراني يحول أنظارنا عن العدو للحقيقي لدول المنطقة، وهو إسرائيل. وجميعنا يتذكر تصريح صاحب السمو أمير البلاد بأن إيران عمق استراتيجي لنا، إضافة إلى تصريح وزير الخارجية العماني اخيرا بأن بلاده لا ترى أن إيران تمثل تهديداً لأمن الخليج ولا تساورها مخاوف من اندلاع حروب بالمنطقة.المفارقة الأخرى، أن الامتعاض من هذا القرار الأميركي صدر من أصدقائها قبل أعدائها، فقد قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني «عندما تضاف متفجرات إلى برميل بارود فإن ذلك يزيد من الخطر ولا يحسن الأمن في المنطقة»، كما قال رئيس الوزراء اللبناني إن هذا القرار يساعد الاتجاهات المتطرفة في المنطقة لأنه يؤكد الانحياز الى إسرائيل!يبدو أنه كلما زاد تخبط أميركا في المنطقة، زاد إصرارها على المضي في سياستها الوقحة والحمقاء في آن واحد، وليتها تتعلم قليلاً من فرنسا التي تجاوزت عهد الرئيس السابق شيراك وبدأت بسياسة الحوار مع الجميع، وجاء ذلك نتيجة لإدراك الرئيس ساركوزي بأن سياسة فرض الأمر الواقع وتجاهل القوى الأساسية في المنطقة لن تنجح أبداً.