بين الأسود والأبيض وألوان الطيف!

نشر في 04-03-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-03-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

ظلت عملية عزل البشر بقوانين عن بعضهم بعضاً، وستظل تعبر عن حالة رهاب نفسي عند الفئة التي تقوم بالعزل، ولعل النموذج الأوضح في ذلك كان في تجربة جنوب أفريقيا ونظامها العنصري الذي يطلق عليه نظام «الأبارتايد»، وهو ما يسعى إلى تطبيقه، وإن بذكاء أكبر، النظام الصهيوني العنصري في إسرائيل.

اليوم هو يوم حاسم في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإذا تركنا جانباً الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري فهي شبه محسومة للسيناتور ماكين، فإن المنافسة في المعسكر الديموقراطي على أشدها بين باراك أوباما السيناتور عن ولاية إلينوي وهيلاري كلينتون السيناتور عن ولاية نيويورك وسيدة الولايات المتحدة الأولى على مدى 8 سنوات. وبالتالي فإنه لا مفاجآت تذكر في المعسكر الجمهوري، إلا أن النتائج النهائية أياً كانت على الجبهة الديموقراطية فيها دلالات ذات بعد تاريخي؛ فإن فاز بها أوباما فستكون المرة الأولى لرجل أسود، وكذلك إن فازت كلينتون فهي المرة الأولى كذلك في تاريخ أميركا تنافس فيها امرأة على مقعد الرئاسة.

ولسنا هنا بصدد تحليل الانتخابات الأميركية، فالمعلومات حولها متوافرة وبغزارة، ولكن المهم هو رصد حالة التحولات، والتجدد، والحيوية في الحياة الاجتماعية الأميركية. فالمرأة كما هي الأقليات (يمثل السود نحو 13% من المجتمع الأميركي) عانت ومازالت تعاني ظروف عزل اجتماعي عبر التاريخ، ويكفي أن ندلل على أن نسبة المشاركة النسائية في المؤسسات السياسية هي الأقل في المجتمعات الغربية. أما السود والأقليات فقد ظل القانون حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي يمارس عزلاً اجتماعياً عنصرياً ضدهما. فلم يكن مسموحاً لهما بالانتخاب، ولم يكن مسموحاً لهما بدخول أماكن عامة كثيرة، ولم يكن مسموحاً لهما بالانضمام إلى الجيش، ولم يكن مسموحاً لهما بالانضمام إلى الفرق الرياضية، ولم يكن مسموحاً لهما بدخول الجامعات وغير ذلك من الإجراءات العنصرية الشديدة الوطأة، باختصار كان الاختلاط مرفوضاً بقانون، وإن كان على أساس عنصري.

وهكذا ظلت وستظل عملية عزل البشر بقوانين عن بعضهم بعضاً تعبر عن حالة رهاب نفسي عند الفئة التي تقوم بالعزل، ولعل النموذج الأوضح في ذلك كان في تجربة جنوب أفريقيا ونظامها العنصري الذي يطلق عليه نظام «الأبارتايد»، وهو ما يسعى إلى تطبيقه، وإن بذكاء أكبر، النظام الصهيوني العنصري في إسرائيل، وقبله كانت روديسيا التي أصبحت لاحقاً زيمبابوي وهكذا.

وحيث إن عجلة التاريخ ليس لها إلا أن تتحرك إلى الأمام، حتى إن بدت بطيئة، فقد تساقطت قلاع العزل العنصري، وأصبحت العنصرية السافرة أمراً يصعب الدفاع عنه.

أما كيف خرج أوباما من تلك الشرنقة المحكمة الإغلاق ووصل لينافس على الرئاسة فلذلك حديث آخر.

back to top