Ad

العقيد القذافي وجد نفسه وحيداً في مواجهة الولايات المتحدة والاستكبار العالمي فقادته فطنته وقاده ذكاؤه إلى تغيير الاتجاهات، فغير الاتجاهات لإنقاذ بلده وإنقاذ شعبه و«السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه»!؟ لم يفعل صدام حسين هذا وركب رأسه، وكانت نهاية العراق الاحتلال والدمار والتمزق وشلالات الدماء والحرب الأهلية.

هذا سؤال افتراضي وقد تجاوزه الزمن بنحو عقدين من الزمن: فماذا يا ترى لو أن صدام حسين كانت لديه «فطنة» العقيد معمر القذافي وبادر إلى تغيير اتجاه سيره في اللحظة المناسبة وانتقل من رصيف تحدي العالم كله، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى رصيف الانفتاح أولاً على دول المنطقة «الشقيقة»، وثانياً إلى اتباع سياسة المصالح والتعايش مع كل دول الكـرة الأرضية؟!

لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً بقي العقيد معمر القذافي يحمل السُلَّم بالعرض وبقي يطارد الوحدة العربية بطريقته الخاصة، ولكنه لم يدركها، حتى مع الذين كان يعتقد أن بينهم وبينه أكثر من مبرر لقاء، وهو رفع شعار «اللجان في كل مكان» وغيـَّر اسم ليبيا إلى «الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الديموقراطية العظمى»، وأعلن طرابلس الغرب بمنزلة للثورة العالمية وأنفق أموال الشعب الليبي، بكرم طافح، على كل من قال إنه يقاتل ضد الاستكبار العالمي والامبريالية الأميركية.

لم تبق أي مجموعة في العالم وصفت نفسها بأنها بؤرة ثورية تحررية وقرأت «الكتاب الأخضر» واهتدت بهديه إلا وكان لها نصيب وافر من الدعم الليبي... من الجيش الجمهوري الإيرلندي إلى الزنوج السود الأميركيين إلى الألوية الحمراء الإيطالية إلى «بادر ماينهوف» الألمانية إلى النجم الساطع البلجيكية إلى «فارا بو ندو مارتي» إلى «الطريق القويم» وبالطبع إلى الفصائل الفلسطينية كلها وإلى الأحزاب الوهمية العربية جميعها... وإلى كل ما هب ودب في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.

مؤتمـــرات وتجمعات ولقاءات مدفوعة الأجر... وفنادق طرابلس الغرب دائماً مشغولة بـ«الثوار الأشاوس» الذين جاؤوا ليتناقشوا في الكتاب الأخضر ويترجموه إلى لغات الكرة الأرضية كلها وتحرشات بـ«تشاد» وتونس وإيطاليا وبـ«الرجعيات العربية» كلها وصواريخ إلى إيران في حرب الخليج الأولى... والنتيجة أن العقيد القذافي وجد نفسه وحيداً في مواجهة الولايات المتحدة والاستكبار العالمي فقادته فطنته وقاده ذكاؤه إلى تغيير الاتجاهات فغير الاتجاهات لإنقاذ بلده وإنقاذ شعبه و«السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه»!؟

لم يفعل صدام حسين هذا وقد ركب رأسه فقادته حماقته إلى التشبه بالدكتاتور الدموي جوزيف ستالين على الصعيد الداخلي فقام بالتصفيات التي قام بها داخل حزبه حتى لم يبق في قيادة هذا الحزب إلا الإمَّعات وأشباه الرجال... إنه لحماقته وعنجهيته وربما لأشياء أخرى لم يفعل هذا وكانت نهاية العراق الاحتلال والدمار والتمزق وشلالات الدماء والحرب الأهلية... نعم الحرب الأهلية و«ليخسأ الخاسئون»!!

لو أن صدام حسين كانت لديه فطنة العقيد القذافي، الذي التقط اللحظة المناسبة وأخرج نفسه وبلده من فم الغول، لما انتهى إلى حبل المشنقة ولما أوصل العراق إلى الدمار والخراب ولو أنه لم يذهب إلى غزو الكويت بمجرد توقف حرب الثمانية أعوام مع إيران ولو كانت لديه فطنة «الأخ قائد الثورة» لوجَّه أبناءهُ الوجهة التي اتجهها سيف الإسلام القذافي ولما حولهم إلى قتلة وجعلهم يعيثون فساداً في العراق وينتهكون أعراض أبناء شعبه ويعتدون على كراماتهم!!

الآن يصف، الذين أكلوا من خير الجماهيرية الليبية حتى تكرَّشوا وغدوا بلارقاب، العقيد معمر القذافي بأنه مرتدٌّ وأنه خان الثورة التي هتف لها طويلاً... إن هؤلاء يريدون أن يكون مصيره مصير صدام حسين وأن يكون مصير ليبيا مصير العراق حتى يجدوا مبرراً للاستمرار ببكائياتهم الثورية إلى أن يـَمُنَّ عليهم بـ«قائد ملهم» جديد جيوبه مليئة ويده «فِرْطة»!!

*كاتب وسياسي أردني