Ad

تُرى في زمن مَن بات التعدي على أملاك الدولة من أي طرف مهما بلغت سطوته بمنزلة الدخول في مواجهة مع «الأمة»، بعد أن كان الاستيلاء عليها أسهل من الحصول على شهادة إلى من يهمه الأمر من مؤسسة التأمينات الاجتماعية؟

أدلى رئيس نقابة شركة نفط الكويت دليهي الهاجري قبل يومين بالتصريح الصحافي التالي: «رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد مدعو إلى احترام النقابات، وإذا لم يتسع صدره للحريات النقابية فليتنحَّ عن منصبه»، في زمن العجائب الكويتية لم يعد مستغرباً أن يدعو رئيس نقابة رئيس مجلس وزراء منحه أمير البلاد الثقة بأن يتنحى من منصبه، وفي زمن باتت فيه الكويت أشبه بحارة «كل من ايدو الو» السورية فليطلق كل كويتي أياً كان موقعه، العنان للسانه ليعيد ترتيب المناصب في بيت الحكم وفق أهوائه، وفي ظل الحملة المنظمة التي يتعرض لها الشيخ ناصر، توقعوا كل ما هو غير متوقع.

تصريح الأخ دليهي جاء على خلفية القرار الحكومي رقم 1113 الذي حدّ من حرية النقابات في تنظيم الإضرابات، وعلى الرغم من رفضنا لهذا القرار تحديداً، أو أي قرار يحد من حرية التعبير بالكلمة أو الموقف، فإن سقف المطالب في تصريح الهاجري تجاوز حدود العقل والمنطق، وألبس موجة الاحتجاج العمالي الأخيرة رداء السياسة وتسجيل المواقف، وهو ما أساء الى الحركات النقابية التي كانت تهدف من تصعيدها إلى تحقيق المطالب العمالية وفق الأطر القانونية والدستورية، وليس الدخول في لعبة الصراعات السياسية الدائرة حالياً بين بعض الأقطاب، وهو التفسير الوحيد لتصريح الأخ دليهي الذي لا نشك أنه أطلقه عن حسن نية، لا لشيء، ولكن رغبة منا في النأي بالحركة العمالية عن دهاليز وحسابات السياسة.

على كلٍ، الشيخ ناصر المحمد ليس منزهاً من الخطأ، بل إن من نافلة القول، التأكيد على أن ثمة أخطاء «تقديرية» وقع فيها الشيخ ناصر خلال توليه رئاسة مجلس الوزراء، لكن الظروف والمتغيرات على صعيد التوازنات السياسية التي حدثت منذ توليه رئاسة الحكومة تجعل من الأخطاء البسيطة التي وقع فيها أمراً طبيعياً، بل ومتوقعاً في ظل أجواء الاستقطاب السياسي والشحن النفسي في محيط السلطة من جهة، وانحراف العمل النيابي عن مساره المعتاد من جهة أخرى، وبالتالي فإن فرص الوقوع في أخطاء تقديرية تتعزز في مثل هذه الأجواء.

إن ما أثير، ويثار، بين فترة وأخرى من قبل بعض النواب، وكذلك المعنيون بالعمل السياسي، بشأن منصب رئاسة مجلس الوزراء وعن الشيخ ناصر تحديداً، يجعلنا نطرح التساؤلات التالية؛ تُرّى في زمن مَن بات التعدي على أملاك الدولة من أي طرف مهما بلغت سطوته بمنزلة الدخول في مواجهة مع «الأمة»، بعد أن كان الاستيلاء عليها أسهل من الحصول على شهادة إلى من يهمه الأمر من مؤسسة التأمينات الاجتماعية؟

وفي زمن مَن أصبح الحصول على مشروع «BOT» برخص التراب أصعب من دخول «حولي» في وقت الذروة؟ في زمن مَن أُوقف مشروع الجزيرة الخضراء، وأُلغيت الكثير من عقود التنفيع المشبوهة؟ في زمن مَن فُتحت جميع ملفات التجاوزات المالية لمشاريع استفاد منها بعض المتنفذين عبر عشرات السنين؟ في زمن مَن أعيد للقانون «جزء» من هيبته المفقودة؟ في زمن مَن حضر رئيس مجلس وزراء إلى اجتماع لجنة إسكانية، إدراكاً لأهمية هذه القضية بالنسبة الى الشعب الكويتي ورغبة منه في ايجاد الحلول لها؟... إنه زمن ناصر المحمد، فإن لم تعينوه على نهجه الإصلاحي، فعلى الأقل دعوه يعمل من أجلنا ومن أجل الكويت، وقبل ذلك وبعده من أجل من منحه الثقة التي يستحقها.