... وتستمر الفرعيات صامدة في وجه الديموقراطية!

نشر في 23-03-2008
آخر تحديث 23-03-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي

كيف استمرت الانتخابات الفرعية تجري من دون انقطاع بالرغم من تجريمها قانوناً ومن كل أقوال أجهزة الأمن بأنها حريصة على منعها ومراقبتها؟ وكيف لم يتم حتى الساعة إثبات التهمة في حق أي ممن شاركوا بها ولم يتم تجريم أحد منهم فعلا؟ ألا يكشف هذا عن تراخ لمنفذي القانون في هذا الصدد.

الاجتماعات التشاورية، التي نجد إعلاناتها هذه الأيام في الشوارع، هي تسمية مزيفة وهمية تم إطلاقها على الانتخابات الفرعية إياها، ولا يحتاج الأمر أن نقول إن الهدف من هذه التسمية الزائفة هو ذر الرماد في عيون المراقبين وبالأخص أجهزة الأمن التي لطالما قالت إنها ستتصدى للمسألة بحزم.

التشاور، يا سادة، لو كانت هذه الاجتماعات تهدف إليه حقاً، ليس بحاجة إلى إعلانات في الشوارع ولا لضرب موعد محدد «للتسجيل» بعده يفقد المرء حقه في أن يستشار، وهو نشاط يبقى في النهاية، وفقاً لمنطق الأمور لو كانت هي كما يدّعون، نشاطاً اختيارياً غير ملزم في نتائجه لمن يشاركون فيه، لكن ما يجري في الحقيقة ليس هذا على الإطلاق، إنما هي انتخابات يرشح فيها نفسه كائناً من كان طالما أنه كان ابناً للقبيلة المعنية، ويشارك في التصويت فيها إما عينة مختارة من هذه القبيلة أو جميع أفرادها إن أمكن (من الذكور طبعاً فالصوت النسائي لايزال صوتاً تابعاً في المجتمعات القبلية لا أكثر).

في تصوري أن الانتخابات الفرعية حراك مجتمعي حاصل، مهما حاول بعضنا التقليل من وجوده أو من أثره، يحتاج منا التوقف عنده بجدية ودراسته بشكل متعمق لما فيه من دلالات ثقيلة واستنباطات حرجة كثيرة على واقع ما نعيشه من ديمقراطية. دلالات واستنباطات تكشف لنا عن واقع المجتمع الكويتي من خلال شطر كبير منه، إن لم يكن الشطر الغالب، وعلاقته بالنظام من جهة وارتباطاته العرقية من الجهة الأخرى.

انخراط أغلب أبناء القبائل في ممارسة الانتخابات الفرعية قبيل الانتخابات العامة، وقد وقعت في فخها مرة وللأسف، يتم في الغالب بجهل المشاركين فيها عن أبعادها الخطيرة، خصوصا الشرعية منها، فبالنسبة للكثيرين من هؤلاء ما هي إلا تزكية مجردة لشخص أو أكثر من أبناء القبيلة للمشاركة في الانتخابات العامة، في حين أن الأمر أعقد وأصعب من ذلك بكثير. الانتخابات الفرعية تحمل معها العديد من الإشكالات الشرعية ولا أدري كيف لايزال يغيب هذا عن ذهن من يشاركون فيها، خصوصا المتدينين منهم.

أولا، هي تسمح لأي كان من أبناء القبيلة، حتى لو كان بلا مؤهلات ولا كفاءة، بل حتى لو كان من شرار القوم، بالمشاركة في ترشيح نفسه لها، وليست هذه هي المشكلة إنما أنها تعطيه بذلك فرصة الاستناد إلى انتخابات عصبية يمكن أن يفوز فيها إن كان هو صاحب (الفخذ) الأكثر عدداً، على حساب أصحاب الكفاءة والنزاهة، مما يحرم الأكفاء، خصوصا المنتمين إلى الأفخاذ الأقل عدداً، ممن قد يجدون الدعم والقبول من الجمهور من خارج القبيلة من حقهم الوطني في ترشيح أنفسهم للانتخابات العامة، ويلزمهم بقبول نتيجة الفرعية التي وجدوا أنفسهم مضطرين للمشاركة فيها تحت وطأة ارتباطهم القبلي.

الإشكال الشرعي الثاني، أن من يشاركون بهذه الانتخابات يلتزمون مسبقاً بدعم نتائجها بغض النظر عن جودة مخرجاتها وكفاءتها، وهم بذلك يكرسون العصبية في أسوأ أشكالها، حيث يلتزمون بدعم أبناء قبيلتهم كائناً من كانوا، ليصير بذلك شرار قومهم مقدمين على خيار أي قوم آخرين في الانتخابات العامة.

الإشكال الشرعي الثالث، أنهم لا يستطيعون التنصل من هذا التعهد، لأنهم إن فعلوا واتجهوا لمن قد يكون خيراً من مرشح (فرعيتهم) فقد غرروا بمن اشتركوا معهم في هذه الفرعية ونقضوا عهدهم الذي التزموا به ابتداء، وأما الإشكال الشرعي الرابع فإن هذه الانتخابات تقوم على خرق القانون الذي يمنعها ويجرم مرتكبيها، وهذه بذاتها مخالفة شرعية واضحة لا جدال فيها.

من الجانب المقابل لهذه الانتخابات الفرعية التي تلغي عقول الملتزمين بنتائجها حيث لا تعطيهم حق التفكر بعد ذلك لاختيار المرشح الأصلح للانتخابات العامة سواء من داخل قبيلته أو خارجها، وتسوقهم سوقاً نحو اختيار قائم، إن لم يكن كله ففي غالبه، على العصبية والفزعة العرقية المجردة، والبعيدة كل البعد عن أي معيار كفاءة وقيمة وطنية، أقول من الجانب المقابل لهذه الانتخابات، فمن المستغرب أن لا يظهر اهتمام دوائر البحث بدلالات هذه الانتخابات ومعانيها.

كيف يصر مئات بل آلاف المواطنين على مخالفة القانون، بشكل دوري والمشاركة في هذه الانتخابات. ألا يثير هذا تساؤلات عن السبب الذي يجعل ابن القبيلة الكويتي، لايزال يجد في قبيلته الملاذ والأمن، بشكل أكبر بكثير مما يجده في النظام ودولة المؤسسات، فيلجأ نحو الاحتماء بها والإصرار على تعضيد وجودها على حساب القبائل والفئات المجتمعية الأخرى؟ ألا يشي هذا عن شيء ما في معادلة المواطنة والانتماء والإحساس بتساوي جميع المواطنين أمام القانون والنظام؟!

وألا يثير هذا الأمر كذلك تساؤلات عن كيف استمرت هذه الانتخابات تجري من دون انقطاع بالرغم من تجريمها قانوناً ومن كل أقوال أجهزة الأمن بأنها حريصة على منعها ومراقبتها؟ وكيف لم يتم حتى الساعة إثبات التهمة في حق أي ممن شاركوا بها ولم يتم تجريم أحد منهم فعلا؟ ألا يكشف هذا عن تراخ لمنفذي القانون في هذا الصدد لسبب من الأسباب أو لحسابات تجعل النظام لايزال يستند إلى التركيبة القبلية؟!

ملحمة الفرعيات، أو التشاوريات أو التزكيات كما يحلو لهم أن يسموها، قد بدأت والكل يعرف هذا، والصحف تنقل أخبارها ومخرجاتها بشكل يومي، وهي تجري تحت سمع النظام وبصره، واستمرارها بحد ذاته مؤشر على أن وضعنا السياسي المتردي وديمقراطيتنا المعيبة لاتزال على حالتها وللأسف.

back to top