الروائي هاني عبد المريد: كيرياليسون ليست دينيَّة ولا تدعو إلى الطائفيَّة

نشر في 05-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 05-05-2008 | 00:00

«كيرياليسون» اسم غير مألوف لكنه لفت أنظار النقاد ومتابعي الحركة الأدبية، لأن صاحبه الروائي المصري هاني عبد المريد يعتبر من الأدباء الذين يمتلكون قراءة لغوية ويتطرقون إلى الثبات المبكر في عالم الأدب. وعلى الرغم من أنه أصدر ثلاثة أعمال سابقاً، إلا أن «كيرياليسون» ألقت عليه الضوء مجدداً. معه هذا الحوار:

ما معنى كيرياليسون؟

كيرياليسون كلمة قبطية تعني «ارحم يارب»، ينطق بها الأقباط عندما يقعون في ضيق واستخدمها أحد القديسين ليخرج من ضيقه. يثير هذا الإسم نوعاً من الغموض ولغزاً للقارئ الذي يجهل عالم الأقباط. بالفعل اختلط الأمر على الجمهور في معرض الكتاب وتساءلوا عن معنى الإسم، فأدركت إنه لفت النظر وشد الانتباه، استخدم الكلمة نفسها «ناجح» بطل الرواية كدعاء للنجاة.

ألم تخش أن تصنَّف على أنها رواية دينية - مسيحية؟

إطلاقاً لأنني تجنبت كتابة رواية سياحية عن «حي الزرايب» الموجود في القاهرة والذي تدور فيه أحداثها، كذلك لم أرد أن أكتب رواية تعتمد على إظهار الغرائبية في مجتمع مسيحي نعيش معه ولا نعرف عنه الكثير.

تعاملت مع هذا الحي ومع أهله باعتبارهم بشراً لهم نواقصهم وطموحاتهم وتخاذلهم. ما قربني إليهم دراستي في المرحلة الثانوية التي جمعت بيني وبين زملائي الأقباط، تعلمت منهم وتأثرت بهم وبكلمات كثيرة من الإنجيل يتفوهون بها. غيَّر وجودي في هذا الحي حياتي رأساً على عقب وتبدلت رؤيتي للعالم، بعدما لمست عن كثب كل هذا الفقر والظلم الواقع على أهالي هذا الحي وهم يبحثون في أكوام الزبالة عن مصدر رزقهم الوحيد.

هل يعتبر تعاطفك مع «الأقباط» الحافز لكتابة هذه الرواية؟

- طبعاً، مع ذلك حاولت ألا يظهر انحيازي لهم داخل الرواية وتركت مساحة للقارئ لكن ينحاز هو إليهم بمحض إرادته في محاولة لتغيير شكل العلاقة بينه وبين الآخرين، خصوصاً أن هناك نظرة عدائية مشتركة.

في روايتك كم عالٍ من السخرية لماذا؟

في داخلي مونولوج دائم ينتقد ويسخر من الجميع ومن نفسي في البدء، وتعتبر السخرية عندي من محركات الكتابة وتشكل في الغالب موقفاً دفاعياً، كي لا أنفجر غضباً على ما يدور من حولي، عموماً هي أقوى أسلحة الكتابة.

تدمج في روايتك تقنيات جديدة مثل قصاصات الجرائد ورسم الأشكال وسط السرد، كيف تفسر ذلك؟

بالنسبة إلى دمج قصاصات الجرائد داخل الرواية أشعر أنه مهما كتبت لن أستطيع إيصال عبث اللحظة التي عشناها في حرب العراق إلى القارئ، لذلك استعنت بعناوين الأخبار الحقيقية، أما الرسم وسط السرد استهوتني هذه الفكرة ولم أستطع مقاومتها، أعتقد أنها نجحت في حث القارئ على الشعور باليأس الذي عاشه بطل الرواية.

يظهر عالم الأقباط الخاص بوضوح في الرواية مع أنك لست قبطياً؟

يشاركنا الأقباط هذا الوطن ويتقاسمون معنا الأفراح والأحزان ومع ذلك نحن لا نعرف عنهم شيئاً. من المخجل أن نظل بمعزل عن الثقافة القبطية وهو خطأ قد ندفع ثمنه قريباً، وما اختياري كلمة قبطية كعنوان للرواية إلا لهذا السبب. لا أدعي انني كتبت رواية استطاعت مثلاً أن تقرب الثقافة القبطية إلى أذهاننا، إنما تعاملت مع شخصيات روايتي بكل مصداقية وتركتهم يتحركون كما يحلو لهم.

تظهر حالة دائمة من التمرد داخل كتابتك ونصوصك، ما السبب؟

لأن الكتابة هي فن التمرد على كل مألوف وضد الطرق المعبدة والأفكار المألوفة المستهلكة، ولأنها صرخة في وجه «العادي والمطروق» وهي تمرد على الآخر وعلى الذات أيضاً. كثيراً ما اتخيل قصصاً تتمرد شخصياتها عليَّ شخصياً عندما تنحو منحى آخر غير الذي تصورته في البداية. إذا لم يعترض الكاتب ويتمرد ويرفض لماذا يكتب إذن؟

لماذا صنِّفت أعمالك أنها غامضة؟

لا أرى مطلقاً أنها غامضة، عقدت ندوة أخيراً في مؤسسة «أخبار اليوم» في القاهرة لمناقشة الغموض في الكتابة الجديدة عند الأدباء الشباب، وكنت أحد المدعوين فاستنتجت أن الحيل الفنية التي تتخلل كتاباتي تصل إلى حد الغموض.

في روايتك جاءت اللغة قاسية مغايرة لأعمالك السابقة. ما تعليقك؟

في «كيرياليسون» اختلف الوضع ولم يعد همي هو اللغة، فتركتها تأتي عفوية وصريحة جارحة في بعض الأحيان. وكل ما شغلني هو حال البشر وكشف زيفنا. يعيش مجتمعنا أكبر حالة تناقض عرفها التاريخ فهو مزيف وينحدر من سيئ إلى أسوأ مرتكزاً على «الصبر مفتاح الفرج» حيناً و «إن مع العسر يسراً» حيناً آخر.

ما الملامح الأساسية التي شكلت وعي الكاتب لديك؟

مطالعتي بنهم كتابات سابقة تنتمي إلى الاتجاهات الأدبية المختلفة في القصة والرواية والفنون التشكيلية. وكانت القراءة بالنسبة إلي مثلما يقول نجيب محفوظ : «القراءة بلا حدود وفي أي اتجاه»، فاغتنى فكري وتشبعت بالأنماط والشخصيات التي قابلتها في حياتي وكانت لها تأثيرات داخل نفسي، وتعمقت تجربتي بلحظات ضعف أو خوف وقهر تعرضت لها. انصهر كل ذلك مع حكايات جدتي وأمي وتصوراتهما البسيطة عن الدنيا وما فيها، بالإضافة إلى الحكايات والأمثال الشعبية التي كنا نسمعها في طفولتنا، ما جعلني أحب القراءة وأضعها في أطر وأشكال مختلفة من الكتابة.

جاءت مجموعتك «شجرة جافة للصلب» شديدة الإيجاز والتكثيف لماذا؟

«شجرة جافة للصلب» مجموعة قصصية، يسير الكاتب في القصة القصيرة فوق حد السيف وليس مسموحاً له في قصة لا تتجاوز عشرة أسطر بأية زوائد لغوية أو مزايدة في حركة الشخصيات داخل القصة وإلا ستصبح «رواية»، من الضروري أن يلتزم الكاتب بالتقنيات المختلفة للقصة القصيرة. وفي مجموعتي كانت قضيتي كيف أخرج بلغة شفافة ومعبرة ومكثفة في آن، وانحصر همي في الحداثة والتجريب وفي عدم شعور القارئ بالغربة وهو يقرأ النص وفي عدم تحول هذا الأخير إلى جسم غريب منفصل عن عالم القارئ أو العالم الذي يحيط بنا.

ما هي الحالة الراهنة لجيلك الأدبي؟

منطلق بقوة الصاروخ، وكل رواية جميلة يكتبها أحد أبناء جيلي، هي إضافة للجيل بأكمله، نحن جيل محظوظ جداً، ظهر مع طغيان الانترنت وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة، ومع نشاط حركة النشر الخاص وزيادة عدد المكتبات التي تعنى بالكتاب وتقدمه في صورة لائقة. استغل جيلي كل ذلك وقدم كتابة تتماشى مع الواقع ومع جيل القراء المتعطش إلى عمل يحترمه ويحترم عقله.

إلى أي مدى يسمح للكاتب بتجاوز التابوهات في الأعمال الأدبية؟

أنا مع حرية الكاتب والكتابة ومع كسر التابو إذا كان ذلك يخدم العمل، ولكنني ضد كسره لمجرد كسره، وهو لا ينحصر بتبادل السُباب بين شخصيات الرواية، بل هو موقف فكري.

لماذا تأتي عناوين كتاباتك نكرة غير معروفة؟

ربما لأن في الإسم النكرة غموضاً جذاباً وإغراءً للقارئ وتعميماً أكثر، لا أعرف السبب، أنا أختار الإسم الذي أراه يتناسب مع العمل الذي أكتبه فحسب.

نبذة

من مواليد القاهرة عام 1973، يعمل أخصائي نظم معلومات في إحدى المكتبات العامة في القاهرة. أصدر مجموعة من المؤلفات من بينها: «إغماءة داخل تابوت» (قصص)، «عمود رخامي في منتصف الحلبة» (رواية)، «شجرة جافة للصلب» (قصص)، «كيرياليسون» (رواية). نال جائزة الثقافة الجماهيرية عن مجموعته القصصية» إغماءة داخل تابوت» عام 2002 ونال الجائزة نفسها عن روايته الأخيرة «كيرياليسون» هذا العام.

back to top