بعد أن «ثبتت الرؤية»، فإن المطلوب من القوى السياسية الموقعة على البيان ألا تكتفي بذلك، بل عليها أن تستثمر هذا الإجماع الوطني في التوافق على خطوط عريضة لمشروع تنموي يستهدف استكمال بناء الدولة الحديثة.بعد الموقف المبدئي الحاسم لسمو الأمير الذي أكد فيه التمسك بالدستور، ونفى إشاعات الانقلاب عليه، يأتي البيان الذي أصدرته القوى والتجمعات السياسية في الكويت بتاريخ 6 أكتوبر 2007 في توقيته المناسب، حيث اجتمعت الإرادة السامية لسمو الأمير مع الإرادة الشعبية التي تمثلها القوى والتجمعات السياسية للرد على القوى الرافضة للتطور الديموقراطى والمعادية للدستور والتي ما فتئت تروج للانقلاب عليه واستبداله بصيغ شكلية «ديكورية» ترسخ الحكم الفردي الذي تجاوزه الزمن.
إن في تأكيد القوى السياسية في بيان 6 أكتوبر على «وجوب الالتزام والتمسك بالدستور وعدم جواز تعطيل أي مادة من مواده أو إيقاف العمل به»، وأيضا تأكيدها على «وجوب تطبيق الدستور وتفعيل مواده بشكل كامل ودعوة مجلس الأمة والحكومة إلى الالتزام الكامل بأحكام الدستور وممارسة كامل سلطاتها ودعوة السلطات جميعها ومؤسسات المجتمع المدني للتصدي لأي محاولة لتعطيل الدستور»، إن في كل هذا التأكيد، وبالذات موضوع «تفعيل مواد الدستور بشكل كامل» التزام أخلاقي يفرض نفسه على القوى السياسية، ولاسيما الممثلة في المجلس.
فالملاحظ أن بعض الأعضاء الممثلين لبعض القوى الموقعة على البيان يقترحون مشاريع قوانين ويوافقون على بعض القوانين التي فيها تعارض مع مواد الدستور خصوصاً في موضوع الحريات العامة والشخصية. فهل سيلتزمون بهذا التعهد «انطلاقاً من مسؤولياتها أمام الله ثم أمام الشعب الكويتي»، كما ورد في البيان؟
إن تجاوز الدستور من قبل أعضاء المجلس يعطي الشعب صورة سلبية عن المجلس ويجعل القوى المعادية للدستور تستفيد من عدم تعاطف بعض الناس مع ممارسات بعض الأعضاء، للترويج لخططها. من ناحية أخرى، وبعد أن «ثبتت الرؤية»، فإن المطلوب من القوى السياسية الموقعة على البيان ألا تكتفي بذلك، بل عليها أن تستثمر هذا الإجماع الوطني في التوافق على خطوط عريضة لمشروع تنموي يستهدف استكمال بناء الدولة الحديثة، ويأتي في مقدمته بالطبع الإصلاح السياسي الذي يعتبر المدخل الأساسي لأي إصلاح تنموي. فلا يمكن إصلاح الصحة أو التعليم مثلاً في ظل وجود فساد وتكسب سياسي. كما أن على القوى السياسية الوطنية ألا تقف موقف المتفرج أو تبني مواقفها على ردود الفعل، بل عليها أن تبادر لطرح رؤاها وبرامجها التنموية.
إن على القوى السياسية جميعها أن تخطو الخطوة التالية، بأن تطرح المبادرات الوطنية، ولا تشغل نفسها في تفاصيل دقيقة كثيرة مختلف عليها، فمن مصلحة «رموز الفساد ومؤسساته التي تشكل العمود الفقري للقوى المعادية للدستور ولنظام الحكم الديموقراطي في الكويت»، كما أسماها البيان، أن ننشغل في أمور فرعية وننسى الخطط الاستراتيجية التي تقوم عليها الدول.
صحيح أن هنالك تبايناً بين القوى السياسية حول الرؤى المستقبلية، ولكن المطلوب هو التنسيق والاتفاق على القواعد السياسية العامة والخطوط العريضة، والعمل المشترك ضمن آلية واضحة، وهو ما ختمت به القوى السياسية بيانها حيث أكدت على «الاستمرار في التنسيق والعمل المشترك بين القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وفق آلية واضحة ومؤسسة لتعزيز المكتسبات الدستورية وتحقيق الإصلاح والتنمية ومواجهة الفساد مع التصدي الجاد بالدراسة والبحث للواقع السياسي وما يكتنفه من أزمات سياسية مستمرة، وصولاً إلى الاتفاق بينها على صياغة رؤية وطنية لبناء الكويت الحديثة ودعوة الجميع الى العمل على أساسها». إن المطلوب الآن هو ترجمة بيان 6 أكتوبر إلى واقع ملموس، وهنا يكمن التحدي.