الإيراني يعرف قطعاً أن الوقت ليس وقت القطع التام مع «الشر المطلق» والشيطان الأكبر (أميركا) فضلاً عن الانقضاض عليه مهما بدا مرتاحاً لتقهقر الأخير وتعثره في أكثر من ساحة، ذلك أن الذئب الجريح قد يكون أكثر شراسة من الذئب السليم!لايثق الأميركيون بالإيرانيين لكنهم يعتبرونهم «شراً» لابد منه بعد أن تحوّلوا إلى رقم صعب ووزن ثقيل يفرض نفسه في أكثر من معادلة لأكثر من ملف حيوي في المنطقة!
الإيرانيون بالمقابل لايثقون بالأميركيين، وهم إذ يعتبرونهم بالأساس «الشيطان الأكبر» في العالم لكنهم يرون فيهم أيضاً «الشر» الذي يفرض نفسه في أكثر من ساحة وقضية ليس في المنطقة وحدها بل في العالم كذلك!
ولما كان الأميركيون يعتبرون أنفسهم هم «سادة» العالم وساسته الأوائل والقوة الأعظم في المعادلة الدولية فإنهم يعتبرون أنفسهم المسؤولين عن احتواء كل من هو «شرير» في هذه المعادلة الكونية أياً كان حجم الشر الذي يمثله أو نوعه!
بالمقابل فإن الإيرانيين المعروفين بعراقة منهج الدراية والحكمة لديهم واستناداً إلى حكمة شاعرهم الكبير حافظ الشيرازي الذي يقول:
سعادة الدارين في هذين البيتين مروءة مع الصديق ومداراة مع العدو
وعملاً بالحكمة المشهورة التي تقول: «ليس العاقل من يميز الخير من الشر بل العاقل من يعرف خير الشرين»! ومن تاريخ الصراع بين الصديق والعدو فهم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بممارسة فعل «المداراة» مع العدو بقدر ما هم مطالبون بممارسة فعل المروءة مع الصديق!
فالأميركي بات يقر اليوم مهما بدا مكابراً بأن الزمن ليس زمن الحسم مع «الشر» الإيراني مهما امتلك من أدوات جهنمية للحسم بعد أن بات الأخير ممسكاً برقبته في أكثر من ساحة وأكثر من ملف أو ميدان!
والإيراني يعرف قطعاً أن الوقت ليس وقت القطع التام مع «الشر المطلق» والشيطان الأكبر فضلاً عن الانقضاض عليه مهما بدا مرتاحاً لتقهقر الأخير وتعثره في أكثر من ساحة، ذلك أن الذئب الجريح قد يكون أكثر شراسة من الذئب السليم!
من أجل ذلك كله ولأن المنطقة خالية من أي مشروع أو استراتيجية لأحد غير هذين الاثنين فإن الملفات كلها والساحات كلها والميادين كلها باتت أشبه بحالة لعبة الدومينو على الطريقة العراقية عندما «تقفل»!!
لا يبدو الأمر أكثر وضوحاً للعيان ولا في أكثر أشكاله وحالاته «نصاعة» كما هي الحال في لبنان اليوم! فبالرغم من كل ما يقال وينشر وينثر هنا وهناك من كلام أو مقالات أو تصريحات أو مصارحات أو محاصصات أو صراع على الأعداد والأرقام فإن جوهر المشكلة تكمن في عجز الأميركي ومعه الإسرائيلي بكل ما أوتي من قوة عن كسر إرادة أصحاب مشروع المقاومة والتحرير، بالمقابل عدم رغبة أو استعداد الفريق المقابل من الدخول في معركة كسر عظم مع الخصم الغادر، قبل نضوج لحظة الحسم!
بانتظار أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتبدد الغيوم من سماء التساكن بين مشروعين متعاكسين يتدافعان في سماء بلاد الرافدين!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني