حزب العدالة والتنمية بين تركيا والمغرب

نشر في 19-09-2007
آخر تحديث 19-09-2007 | 00:00
 د. شاكر النابلسي

كانت النتيجة أن التلميذ التركي (حزب العدالة والتنمية التركي) سبق أستاذه (حزب العدالة والتنمية المغربي) واستطاع أن يكتسح الانتخابات التركية الأخيرة ويفوز بالحكومة والرئاسة كذلك. وهو ما لم يحققه حزب «العدالة والتنمية» المغربي في الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة.

على خلاف توقعات كثير من المراقبين واستطلاعات الرأي العام المغربي، لم يفز «حزب العدالة والتنمية» المغربي بغير 46 مقعداً في الانتخابات التشريعية المغربية في أغسطس الماضي. وكانت معظم التوقعات تقول إن هذا الحزب مرشح للفوز بسبعين مقعداً على الأقل. ولكن الدراسة التي أجراها «المعهد الجمهوري الدولي» في واشنطن، أظهرت في عام 2006 أن «حزب العدالة والتنمية» في المغرب قد يفوز بـ 47 مقعداً. وجاء هذا الاستطلاع قبل سنة من موعد الانتخابات البرلمانية. فكانت نتيجته الصحيحة التي تحققت تقريباً هي هذه النتيجة الحتمية التي كانت ضربة موجعة لهذا الحزب الذي عمل في السنوات الماضية في الشارع السياسي المغربي على تهيئة نفسه لتولي رئاسة الحكومة المغربية من خلال احتلاله سبعين مقعداً في البرلمان المغربي، اعتباراً من نهاية 2007. ولكن الأمل خاب. هذا مع العلم أن عبد الإله بن كيران القيادي في «حزب العدالة والتنمية» قد قال قبل عام من الانتخابات وبعد ظهور دراسة «المعهد الجمهوري الدولي» «إن هذا الحزب ليس تلميذاً في المستوى الابتدائي لينتظر من معهد أميركي أن يقول له ما مكانته في المغرب وماذا سوف يكون مستقبله؟ فهو يبني على إمكانه الحقيقي وتحليله للواقع السياسي». ولو أخذ «حزب العدالة والتنمية» دراسة «المعهد الجمهوري الدولي» بجدية وعناية وتعرّف على مواطن الخلل في تنظيمه لما كانت نتيجته مطابقة تماماً ما توقعه «المعهد الجمهوري الدولي». ولكن الحزب على ما يبدو اطمأن إلى توقعات الإسلاميين في العالم العربي، الذين قالوا قبل الانتخابات بأيام «على الرغم من الحملة الإعلامية والسياسية الشرسة التي يتعرّض لها. فإن أغلب استطلاعات الرأي العالمية والمحلية تتوقع أن يحظى حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي بالنصيب الأكبر، بين الأحزاب، بمقاعد البرلمان» (محمد أبو رمان، موقع «الإسلام اليوم» 6/9/2007). واتفق معهم اليسار المغربي الذي قال عن استطلاع «المعهد الجمهوري الدولي» «إن الواقع العنيد المعاكس للتيار، يكشف أن قراءة المنجم الأميركي لكف حزب العدالة والتنمية، لا يثير سوى زوبعة في فنجان». (عبد الله العماري، التنجيم الأميركي وآفات حزب العدالة والتنمية المغربي). ولكن هذه الزوبعة أصبحت -مرة أخرى- حقيقة واقعة، كما أشارت نتائج الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة في الشهر الماضي. وصدق المستطلعون ولو كذبوا.

نشأة حزب العدالة والتنمية المغربي

أصبح «حزب العدالة والتنمية» الآن أكبر الأحزاب الإسلامية المغربية، وأعمقها تأثيراً في الشارع المغربي الإسلامي، وأكثرها تمثيلاً في مجلس النواب. وقد تشكّل على نحو قريب من تشكّل «حزب العدالة والتنمية» التركي الذي خرج من عباءة حزبي «الفضيلة» و«الرفاه». فخرج حزب «العدالة والتنمية» المغربي بعد اندماج «رابطة المستقبل الإسلامي»، و«حركة الإصلاح والتجديد»، بعد أن تعذر على حركة الاصلاح والتجديد (الجماعة الاسلامية سابقا) تأسيس «حزب التجديد الوطني».

تأسس حزب «العدالة والتنمية» عام 1967. وفي عام 1996 عقد الحزب في الرباط مؤتمراً استثنائياً لتمكين القيادات الإسلامية من العضوية في أمانته العامة، ومنذ ذلك الحين بدأ يُنظر إلى الحزب باعتباره حزباً إسلامياً، وشارك في الانتخابات التشريعية سنة 1997 وحقق فوزاً محصوراً بالنظر إلى محدودية الدوائر التي شارك فيها (24 مقعدا من أصل 325)، حصل الحزب منها على 14 مقعداً فقط. وكانت نتائج مشاركته في الانتخابات التشريعية 2002 ناجحة إذ حصل على 42 مقعداً. واحتل المرتبة الثالثة بفارق قليل بعد حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» وحزب «الاستقلال» وأصبح هو الحزب المعارض الأول في المغرب. وفي مؤتمره الأخير انتخب الحزب الدكتور سعد الدين العثماني أميناً عاماً خلفاً للدكتور عبد الكريم الخطيب.

استفاد هذا الحزب من دعم الفصائل الدينية كالشبيبة الإسلامية، وجماعات سلفية، وإخوانية، وطرقية، وتبليغية، وتكفيرية، التي كانت سنداً لحزب «العدالة والتنمية».

وقد تعرض الحزب لانتقادات عنيفة من منشقين عنه. فقالت خديجة مفيد «إن هذا الحزب يريد أن يجعل المغاربة في خدمة الدولة وليس العكس. وإن العديد من المنتمين إلى الحزب لا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو من بعيد. فهو حزب صُنع من طرف مهندس الدكتاتورية المغربية إدريس البصري، وزير الداخلية المغربي السابق المتوفى هذا العام».

محمد علي باشا و«حزب العدالة والتنمية» المغربي

في نهاية القرن التاسع عشر، وفي 1862، و1864 بعثت اليابان ببعثة من الساموراي الياباني بتكليف من إمبراطور اليابان «ميچى» في عصر التحديث الياباني لدراسة تجربة التحديث في مصر، ونقل تجربة النهضة المصرية إلى اليابان، وللتعرف على أسباب نهضة مصر في عهد محمد علي باشا. فتعلّم اليابانيون كيفية بناء الجيش، وكيفية إرسال البعثات التعليمية إلى الغرب، وكيفية بناء شبكة السكة الحديدية، واستثمار الأراضي الزراعية. وكيفية بناء الدولة بشكل عام. وكانت النتيجة أن تقدمت اليابان، وتأخرت مصر لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن.

كذلك كانت الحال بين حزب «العدالة والتنمية» التركي و«حزب العدالة والتنمية» المغربي. فقد قام وفد من الشباب التركي السياسي الإسلامي المنسلخ عن حزب «الفضيلة» والساعي إلى تأسيس حزب إسلامي جديد في تركيا بزيارة المغرب والاجتماع بقيادات حزب «العدالة والتنمية» المغربي وبقية الأحزاب الدينية المغربية الأخرى للوقوف على التجربة السياسية الدينية لهذه الأحزاب والاستفادة منها. وكانت النتيجة أن التلميذ التركي (حزب العدالة والتنمية التركي) سبق أستاذه (حزب العدالة والتنمية المغربي) واستطاع أن يكتسح الانتخابات التركية الأخيرة ويفوز بالحكومة والرئاسة التركية كذلك، وهو ما لم يحققه حزب «العدالة والتنمية» المغربي في الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة، وهو ما فعله التلميذ (اليابان) حين سبق أستاذه (مصر) في التنمية والتطور والازدهار.

فلماذا وصل حزب العدالة والتنمية التركي (التلميذ) إلى كرسي الحكم، وفشل حتى الآن الحزب المغربي (الأستاذ) ؟

الجواب في الأسبوع المقبل.

* كاتب أردني

back to top