بعد خمس سنوات تقريباً قضوها في الحجز القضائي الفدرالي، أدين باديللا وشريكاه يوم الخميس في ثلاث تهم متعلقة بالإرهاب. كانت شهور محاكمتهم في جنوب فلوريدا استثنائية في كونها عادية نسبياً: فقد قدّم المدّعون أدلة على أن باديللا، وهو مواطن أميركي، كان عضواً في منظمة «القاعدة» وكان في نيته استخدام العنف لتنفيذ أهداف هذه المجموعة المتطرّفة. حاول محامو الدفاع دحض تلك الادّعاءات وقدّموا تفسيراً بديلاً لتلك الأدلة، لكن هيئة المحلفين تبنت وجهة نظر الحكومة واتخذت قرارها في أقل من 48 ساعة، تاركة باديللا يواجه نحو 15 سنة من عمره خلف القضبان، ما لم ينجح في استئناف الحكم.

Ad

أما ما كان استثنائياً، ويستحق التوبيخ، فهو طول المدة التي توجّب على باديللا انتظارها ليحصل على المحاكمة العادلة التي يعتبرها معظم الأميركيين أمراً بديهياً.

تم توقيف باديللا في العام 2002 في شيكاغو للشكّ في أنه كان يحاول تجميع «قنبلة قذرة». وتم اعتباره في البداية «شاهداً أساسياً»، ولاحقا «عدواً مقاتلاً» جرى احتجازه في زنازين الحجز الفدرالية أو السجون العسكرية لسنوات بموجب نية حكومية لإبعاده عن منظومة المحاكم الفدرالية، حيث سيُمنح حقوقا من بينها الاتصال بمحام. أما في هذا النطاق البديل، فيقوم المحققون الحكوميون،من دون مراقبة من أيّ سلطة أخرى، باستعمال الحرمان الحسّي والحرمان من النوم، والحبس الانفرادي، ضمن أشكال أخرى من سوء المعاملة لانتزاع المعلومات من السجين. تعرّض باديللا، باختصار، «للإخفاء» في منظومة تتبع فيها أساليب نعترض عليها بأشد العبارات عندما تستخدم في الأنظمة الاستبدادية حول العالم.

لم توافق الإدارة الأميركية في النهاية على محاكمة باديللا في المحكمة الفدرالية، إلا عندما بدت المحكمة العليا الأميركية مهيأة لرفض معاملة الحكومة لباديللا والأمر بنقله إلى المحاكم الفدرالية.

هل يثبت الترتيب المنظّم لقضية باديللا أن كل محاكمة بتهمة الإرهاب يمكن، ويجب أن، تحوّل إلى المحاكم المدنية الأميركية؟ لا، برغم أن المدافعين عن الحريات المدنية سيحاولون ذلك، سيكون هناك مقاتلون حقيقيون ممن لا يختص النظر بأمرهم أمام المحاكم المدنية. لكن كلّ شخص تحتجزه الحكومة – سواء كان مواطنا أميركياً أم لا - يجب أن يحظى بمحاكمة عادلة للتأكد من شرعية ذلك الاحتجاز. يجب أن يكون الافتراض هو أن المواطنين الأميركيين بوسعهم الاعتماد على المحاكم الفدرالية للإشراف على محاكماتهم. ولابد من أن نتذكّر اختفاء باديللا المؤقت وبقاءه في عالم النسيان، بوصفه انحرافاً لا يجب تكراره مجدداً.

 

«واشنطن بوست» بالاتفاق مع «الجريدة»