Ad

قصة حياة بدون عاش وتعلم وسط أهله في الكويت، وعاد إليها بعد دراسته للطب في أوروبا، غير أن أبواب العمل أغلقت في وجهه، ولم يجد أمامه سوى الهروب في رحلة قهرية، وبعد أسبوعين من هروبه لامس عالماً آخر يحتضن الكفاءات والعقول.

«منصور» أحد البدون الذين لا يعرفون وطناً لهم غير الكويت، وُلد على ترابها وعاش في كنف والده الذي خدم في جيشها وشارك في صد العدوان العراقي عليها يوم الثاني من أغسطس، وعاد مجدداً مع طلائع الجيش الكويتي لدخولها «محرَّراً» بعد سبعة أشهر...

منصور كان تلميذاً مجتهداً أنهى تعليمه الإبتدائي والمتوسط والثانوي بامتياز، حاول بعد تخرجه الالتحاق بالجامعة لكن أحلامه اصطدمت بلوحه إرشادية كبيرة على مدخل الجامعة كُتب عليها «أنت ممنوع من الدخول لأنك بدون»... قرر حينها السفر خارجاً لإستكمال تعليمه بعد إصرار والده وأخوانه الذين تركوا تعليمهم وانخرطوا في أعمال متواضعة للحصول على رواتب يتقاسمونها مع أخيهم منصور في الخارج...

بعد ثماني سنوات تخرج «منصور» وحصل على شهادة الدكتوراه بامتياز تخصص «عيون» وكانت رحلة عودته إلى الكويت من البلد الأوربي الشرقي الذي درس فيه أشبه بمعاناة «غوار» في فيلم الحدود كون جواز سفره وفق الماده 17 كان منتهياً، لكن عودته إلى الكويت ورؤية ترابها وفرحة لقائه بأهله أنسته جحيم تلك المعاناة...

سنة تقريباً قضاها «منصور» كعب داير، وهو يحاول الالتحاق بوظيفه في وزارة الصحة يخدم من خلالها هذا الوطن الذي ترعرع فيه، وأمام الطلبات التعجيزية، والمعاملة بنوع من «الازدراء» كان حلمه بالحصول على عمل يناسب تخصصه أشبه بالمستحيل.

يقول لي منصور وقتها «عندما كنت أرى بعض الأطباء من الجنسيات الآسيويه وحتى بعض العرب خلال مراجعاتي لوزارة الصحة وفي ظل ما كانوا يتمتعون به من مزايا كنت أشعر بالحرقة والألم، ولكن اليأس لم يتسلل إلى قلبي رغم اللامبالاه التي كان يعاملني بها المسؤولون في الوزارة حتى جاءت تلك اللحظة التي جعلتني اتخذ القرار الصعب»...

نعم دخل منصور على أحد القياديين في الوزارة ذات يوم ومكتبه يعُّج بالزوار والأصدقاء وليس المراجعين، كان يومها قد توسط بشخصية عامة، ووقت دخوله المكتب كانت تلك الشخصية تتحدث عبر الهاتف مع المسؤول للتوسط لصاحبنا، يقول منصور «بعد أن أنهى المكالمة التفت إلى سكرتيره الواقف بجانبه وقال له أمام الموجودين: «أذانا هذا كل يوم واحد داق يتوسط له هذا... وهو بدون طايح حظه شلون لو أنه كويتي»، انسل بعدها منصور من المكتب وعاد إلى منزله والدنيا بالنسبة له كانت «خرم إبره»...

اتخذ منصور القرار الصعب، جمع أوراقه وشهاداته كلها وشنطة صغيرة وضع فيها ملابسه وحاجياته عدا جواز سفره لأنه سُحب منه يوم أن دخل الكويت عائداً من أوروبا، وطُلب من أحد أخوانه توصيله إلى أقرب نقطة للحدود السعودية الكويتية، ومساءً تسلل منصور عبر الحدود ودخل الأراضي السعودية... وماهي إلا أسبوعين فقط حتى وصل إلى مدينة الرياض، وفيها قابل أحد الأمراء هناك... شرح له صاحبنا قصته، وحصل في النهاية على ورقة صغيرة من الأمير، فيها توصيه لوزير الصحة الذي قابله «منصور» في اليوم التالي مباشرة... ولانه طبيب جاهز لم تخسر عليه الدولة هناك ريالاً واحداً، ولأن العقول غير العقول والأنفس غير الأنفس لم يخرج «منصور» من اللقاء إلا بقرار تعيين لمدة ستة أشهر كتجربه في أحد المستشفيات مع مزايا أخرى لم يكن يحلم بها...

حدث ذلك قبل ثلاث سنوات، أما اليوم فإن «منصور» يعمل رئيساً لقسم العيون في أحد أكبر مستشفيات العاصمة الرياض، وفوق هذا كله فقد حصل على الجنسية السعوديه قبل سبعة أشهر!

تمعّنوا في هذه القصة الحقيقية التي ليست هي من نسج الخيال، وتذكروها جيداً عندما تعلن «بعض» أسماء المجنسين قريباً تحت بند «الأعمال الجليلة».