بشكل عام تشير النظريات والدراسات النفسية إلى علاقة قوية بين التطرف الفكري «أياً كان» والاضطرابات والأمراض النفسية، وتحديداً بين الهوس والوسواس القهري وبين التطرف الديني. فوسواس النظافة على سبيل المثال أو الهوس بأن يكون الإنسان على حق دائماً أو الخوف من الخطأ لدرجة مرضية يجدون واحة أمان في فكر يشجع على النظافة ويضع حدوداً واضحة ودقيقة لما هو مقبول «أو حلال» وما هو غير مقبول «أو باطل».
ومن أشكال الوسواس القهري الإدمان الجنسي والهوس بالجنس والرهاب أو الفوبيا من الجنس أو الميول الجنسية المخالفة. وتشير الدراسات إلى أن التطرف الفكري بشكل عام والديني بشكل خاص يمثل بيئة مثالية للمصابين بهذه الأشكال من الوسواس الجنسي، فالخوف من «جهنم» كاف في بعض الحالات لكبت الرغبات والأفكار الجنسية التي تسيطر على حياتهم، كما تشكل التفسيرات المتطرفة للنصوص الدينية أدوات بيد بعضها الآخر ليعبر بها عن خوفه المرضي من الجنس بشكل عام أو ذوي الميول المختلفة كالمثليين والمتحولين، وليخفي رعبه من كل أشكال الحب والفرح والمرح، كما نرى في تحريم بعضهم للغناء والموسيقى والحفلات والفالنتاين، كما تؤطر بعض التفاسير والفتاوى الإدمان الجنسي والأمراض النفسية الجنسية بالسماح غير المشروط بتعدد الزوجات أو تحليل الزواج من الأطفال. كما نرى انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال والأقارب في المجتمعات المتزمتة وبين رجال الدين كما يتضح يومياً في فضائح الكنائس الغربية. والمؤسف أن أغلب الدراسات الأكاديمية المتوافرة تتحدث عن التطرف المسيحي في المجتمعات الغربية، ولكن القليل المتوافر من الدراسات العربية الإسلامية كاف لسحب استنتاجات الدراسات الغربية على المسلمين المتطرفين، فالحديث عن انتشار التحرش الجنسي بالأطفال في السعودية ومصر كما أشرنا في مقالة سابقة هو عرض واضح لمرض جنسي يشكل ظاهرة اجتماعية تتعدى الحالات الفردية المتوقعة في أي مجتمع. كما أن القراءة المتأنية للخطاب الديني المتطرف بشكل عام تكفي ليستنتج الباحث أن الإسلام لا يشكل سوى غطاء لأمراض هذه الفئة من الناس. ولنا في بيان جمعية الإصلاح السيئ الذكر خير مثال. إذ لا يمكن أن يصدر ما جاء في ذلك البيان من فكر وألفاظ من مسلم سوي. فالبيان ينضح بالرهاب والهوس الجنسي سواء في وعي أو لا وعي كاتبه.والأخطر هو عندما تتولى هذه الفئة المريضة تعليم وتربية أولادنا، فكتب التربية الإسلامية الصادرة عن وزارة التربية تحمل الكثير مما يرسخ تلك الأمراض النفسية لدى أطفال مازالوا في مرحلة التشكيل والتأهيل، فعلى سبيل المثال لا الحصر يعدد كتاب التربية للصف العاشر «ما شرعه الله للمحافظة على العرض» ، ويضع في صف الزنى وقذف المحصنات وغض البصر «مصافحة الأجنبية» و«الخلوة بالأجنبية» و«الاختلاط بين الرجال والنساء» (ص 154 – 155)! فلا يكتفي مصمم المنهج بالمساواة بين الزنى والمصافحة فحسب، بل فرق بين الخلوة الشرعية والاختلاط وساوى بهما الزنى وقذف المحصنات. ولا يكلف نفسه طبعاً أن يقدم دليلاً شرعياً على هذا أو حتى تفسيراً منطقياً لعلاقة العرض والشرف بالاختلاط أو المصافحة. (وللعلم الكتاب لا يحدد ما إذا كان المعني الاختلاط المطول أم «المؤقت» كما جاء في فتوى النائب الدكتور دعيج الشمري في برنامج «أوراق خليجية» الأسبوع الماضي).إن المتأسلمين هم في الواقع مرضى أخذوا من الإسلام قناعاً لإخفاء أو تأطير أعراض أمراضهم. والمشكلة أنهم لا يعلمون ولا يقرون بأمراضهم النفسية «وربما العقلية»، وعقولهم المحدودة لا يمكن لها أن تتصور أنه بإمكان الإنسان المسلم المعافى صحيا ونفسيا أن يتعامل مع الجنس الآخر كندّ وصديق وأخ وزميل من دون الدخول في أوهام أو وساوس جنسية.ندعو لهؤلاء بالشفاء والهداية، ولكن نطالب بإبعادهم عن المجتمع ككل وعن أبنائنا بالأخص حتى لا ينتشر الوباء في المجتمع ونتحول إلى أمة مهووسة ومعوقة نفسياً وعقلياً.
مقالات
الجنس في الخطاب المتأسلم
22-02-2008