حجم الزعماء العظام يقاس بميزان تأثيرهم على الناس مضروباً بطول زمان تأثيرهم مضروباً بعرض جغرافية تأثيرهم، وتبقى زعامتهم خالدة على مر العصور والأزمنة وعلى امتداد جغرافيا الكون والأراضي السبعة!
عندما كان رابضاً على صدره، وهو يقترب من لحظة القضاء عليه في مبارزة كان أبو الحسن يمثل فيها جانب الحق الساطع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بصق في وجهه ذلك الرمز الذي كان يمثل عين الباطل دون جدال، فماذا فعل ابو الحسن، وهو صاحب سيف ذو الفقار الذي اشتهر بأنه لا يخطئ هدفه؟ نهض عن صدر عمرو بن ود العامري للحظة حتى يكظم غيظه حيال الإهانة الشخصية التي وجهت له، ثم أكمل على خصمه بالضربة القاضية دفاعاً عن الإسلام، وليس دفاعاً عن علي! إنها ثقافة القتال من أجل القيم العامة والحق العام ومن أجل عيال الله! لا من أجل الأنا أو من أجل جماعتي وعشيرتي وعيالي! بالمقابل انظروا إلى ثنائية «الهوية القاتلة» الدائرة في العراق الآن، التي امتدت الى فلسطين ويحضر لها أن تمتد الى لبنان وإلى سائر بلدان العالمين العربي والاسلامي! أليس من حقنا أن نتساءل وباستنكار شديد: لماذا كل هذا القتل على «الهوية»؟ ولماذا هذا الانحراف عن بوصلة النضال و«الجهاد» رغم أحقية وعدالة القضية التي يقاتل من اجلها؟ ولماذا غابت عنا تلك المثل العليا التي يفترض أننا تربينا عليها؟! الجواب برأيي بسيط، وهو أولا والقول للإمام علي مرة أخرى، وهو القائل: «الحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف»، أي أنك تستطيع أن تقول ما تشاء وتستنكر ما تشاء، لكن المهم أن تفعل ما ينفع الناس حقاً، أي عيال الله وليس عيالك، وحزبك وفصيلك ذلك «أن يد الله مع الجماعة»، كما يقول الحديث الشريف وليس مع هذا الحزب أو ضد هذه الفرقة! وثانياً، فإنك تستطيع أن تتاجر بالدين إلى ما شاء الله! لكن عيال الله سيكشفونك في اللحظة الحاسمة وسيرون في وضح النهار وبكل شفافية، إن كان ينطبق عليك قول الحسين بن علي: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يدورونه ما درت به مصالحهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون»!نعم عظماء التاريخ هم من يكظمون غيظهم الشخصي والعصبوي والفئوي والحزبي و.......، وينتفضون من أجل حق الناس والجماعة والدين والقيم العامة لا من أجل محاصصة هنا أو هناك، ولا من أجل زعامة أو ريادة أو بيعة بأي ثمن كان، حتى ولو طار الوطن والتاج، فالمهم أن أبقى أنا! أنا الزعيم الذي يجب أن يلتف حولي الآخرون! لهؤلاء نقول إن حجم الزعماء الصغار قد يقاس فعلاً بالطول مضروبا بالعرض مضروبا بالارتفاع!، لكن حجم الزعماء العظام يقاس بميزان تأثيرهم على الناس مضروباً بطول زمان تأثيرهم مضروباً بعرض جغرافية تأثيرهم، ولذا فإن زعامة الأول مؤقتة وزائلة كغثاء السيل والزبد الذي يذهب جفاء، في حين أن زعامة الثاني تبقى خالدة على مر العصور والأزمنة وعلى امتداد جغرافيا الكون والأراضي السبعة! إنها جدلية الشرك والتوحيد، فكلما اقتربت من «الأنا» وتمسكت بمحاصصاتك الطائفية والعرقية والفئوية والمذهبية والشخصانية كنت رمزاً للشرك بامتياز! في حين أنك كلما ضحيت بـ «الأنا» والشخصانية والمحاصصة بأنواعها، أصبحت رمزاً للتوحيد بامتياز! بين سيف ذو الفقار البتار وسيف الفتك بعيال الله والدمار، يكمن الحد الفاصل بين الجنة والنار! البلاء الأكبر بمعنى الامتحان في الميدان، هو أنه عندما تحين ساعة التمحيص والاختبار «للأنا» في خضم تنازع المصالح والاضرار تعمى العيون والأبصار! كاتب إيراني
مقالات
«الأنا»... وثنائية «الهوية» القاتلة!
20-06-2007