لم تزل المؤسسة الدينية الرسمية تحجب نفسها عن كل المؤثرات الحاصلة فى زخم الإسلام السياسى, وما تعج به دوائر الحركات الإسلامية الجهادية من حراك ومراجعات فكرية وقراءات فى بطون أمهات الكتب, والأعجب أن المؤسسة التى تلعب دورا فاعلا فى دفع حركة تلك المراجعات وتسهيل دخول المراجع الفقهية لقادة تلك التنظيمات هى المؤسسة الأمنية وليست المؤسسة الدينية.

Ad

غابت المؤسسة الدينية فاختلطت مفاهيم الشباب, وصاروا هم شيوخ أنفسهم, وتلقف بعضهم الأحكام الشرعية وأنزلوها على غير مناطها الشرعى وشهدنا لعقود دوامات العنف والعنف المضاد, وأثخن الجميع بالجراح, وغابت المؤسسة الدينية أيضا عن كل برامج الإصلاح داخل تلك الحركات الدينية, ولعل فقدان الثقة بتلك المؤسسة راجع فى شطر كبير منه إلى ضعفها وعدم أهلية موظفيها لشغل مهمة العلماء مما أضعف هيبتها فى نفوس الشباب والصغار والكبار.

لا نقول ذلك لمجرد الرغبة فى إلقاء الأحجار على تلك المؤسسة العريقة, وإنما لضرورة إحداث تغييرات حقيقية وجذرية فى نظمها الإدارية والفنية والعلمية, وإعادة النظر فى طريقة اختيار وتعيين شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين التحف بهم كل من هب ودب ممن قد لا يحسن تلاوة آيات من القرآن الكريم.

مرت هذه الخاطرة برأسى وأنا أتابع وثيقة ترشيد الحركات الجهادية فى مصر والعالم التى أخرجها من سجنه الدكتور سيد إمام عبد العزيز المكنى بالدكتور فضل.

لقد عنى الرجل وهو يخاطب الشباب من حوله وملايين المتحفزين فى مختلف أصقاع الدنيا بلملمة مشاعر الإخوة وامتصاص مشاعر القلق مما يترقبون بإشادته بمقاصد الشباب المجاهد وأصحاب النوايا الحسنة منهم على وجه الخصوص وهم الكثر, فى إشارة ذات مغزى «هذا مع تقديرنا وإقرارنا بأن الاخوة المجاهدين فى كل مكان هم بالجملة أصحاب قضية نبيلة ورسالة سامية , وليس صحيحا أنهم طلاب منافع دنيوية, بل إن كثيرا منهم يضحون بالنفس والنفيس من أجل إعزاز الإسلام والمسلمين, إلا أنهم وقعوا فى بعض الأخطاء الشرعية»

بهذه اللغة المهذبة التى خلص الرجل فيها إلى وقوع ثمة أخطاء شرعية ومن ثم يناشد الجماعات فى كل مكان ضرورة ترشيد الحركات الجهادية «خاصة بعد ظهور صور مستحدثة من القتل والقتال باسم الجهاد انطوت على مخالفات شرعية فى كثير من البلدان كالقتل على الجنسية أو بسبب لون البشرة أو الشعر والقتل على المذهب وقتل من لا يجوز قتله من المسلمين ومن غير المسلمين والاحتجاج بمسألة التترس لتوسيع دائرة القتل واستحلال أموال المعصومين وتخريب الممتلكات, وهذا كله من العدوان الذى نهى الله عنه حتى فى حال الجهاد بقوله تعالى ( وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا, إن الله لا يحب المعتدين ) « سورة البقرة آية 190.

وقلنا منذ فترة أن الرجل يشعر بوخزة ضمير أو بانزعاج لاستدلال بعض الذين يقومون بالتفجيرات فى بعض بلاد المسلمين استنادا على كتاباته وأهمها «العمدة فى إعداد العدة والجامع فى طلب العلم الشريف» وهو هنا فى التحضير للوثيقة يلفت الانتباه لهذا الأمر وأنه الباعث على إصداره وثيقته « كان لوقوع صدامات كثيرة فى بلاد المسلمين وبلاد غير المسلمين اعتمادا على كتاباتى فى فقه الجهاد على الرغم من أنها تخلو من التحريض على شيء دافع لأن نكتب مذكرة توضيحية حول هذه الأمور , وقد استحسنت معظم الفصائل الجهادية بمصر هذه الوثيقة وتبنتها كأساس للتوجه السلمى لوقف الصدام بينها وبين الحكومة حقنا للدماء وتحقيقا لمصالح شرعية معتبرة «

ويجد البعض سهولة فى التهوين من مثل هذه الاجراءات الاصلاحية بمقولة أنها كتبت فى السجن فإذا بالدكتور فضل يفند هذه الحجة مذكرا بشيوخ الإسلام بن تيمية وبن حنبل والسركسى الذين كتبوا وثائق وهم داخل السجون , فالعبرة ليست بمكان الكتابة ولكن بمضمونها .

وإذا كنا ننعى على المؤسسة الدينية الرسمية أنها لم تقم بواجبها فى توعية الشباب أو ترشيد الجماعات فاسمحوا لى أن أنعى أيضا على جماعة الاخوان عدم تأديتها ذات الدور فى ترشيد الجماعات الإسلامية وإصرارها على إبداء الحرص فى تجنبها وعدم الدخول فى حوارات فكرية مع الشباب إيثارا للسلامة وبعدا عن المظان الأمنية , مع مرضاة الله أولى وأهم وللحديث بقية