تصل مسؤولية الحكومة في مؤامرة ارتفاع الأسعار إلى حد الشراكة لسببين؛ أولهما: إحجام الحكومة وجهاتها المعنية عن الإفصاح عن أرقام التضخم الحقيقية على نحو شفاف ودقيق. وثانيهما: الصمت الحكومي الغريب أمام الارتفاعات الحادة المستمرة التي تشهدها أسعار السلع المختلفة الأساسية وغير الأساسية.هناك تناقض كبير بين شعار دولة القانون والمؤسسات وتطبيقاته من حيث الالتزام والممارسات، فالتباهي بسيادة القانون وتحكيم الدستور أمر محمود ومصداق للفخر والعزة، ولكن هذا النوع من التباهي قد لا نستحقه إذا لم نترجم الشعار بالقرار والعمل، والأعجب من ذلك أن تقف الحكومة مكتوفة الأيدي في موقف المتفرج أمام التحدي السافر لارتفاع الأسعار، وهي التي تملك أدوات تنفيذ القوانين جميعها وتتمتع بحسب الدستور بفرض هيبة النظام.
وهنا قد تصل مسؤولية الحكومة إلى حد الشراكة في هذه المؤامرة التي يبقى المواطن ضحيتها الأولى وذلك لسببين مهمين: الأول، يتمثل في إحجام الحكومة والجهات المختصة التابعة لها عن الإعلان عن مؤشرات التضخم بشفافية ودقة أو حتى التصريح ضد موجة الزيادة غير المبررة للأسعار، الأمر الذي ينم عن تقاعس واضح في أداء المسؤولين لعملهم أو عدم تمتعهم بالكفاءة والدراية اللازمتين لرصد مؤشرات فنية دقيقة في هذا الصدد ناهيك عن ضرورة تمتعهم برؤى فاحصة لتكييف المنظومة الاقتصادية والمالية للدولة على ضوئها، وأن مثل هذه الشاكلة من المسؤولين لا يشكلون عبئاً ثقيلاً على كاهل الدولة وسمعتها ومكانتها وقدراتها المالية فحسب، بل يحجبون دور الكثير من الكفاءات الوطنية المخلصة عن المساهمة الحقيقية في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أيضاً. فقد بلغ بأمثال هؤلاء الحد في سماكة الجلد من الإحساس بالخجل أمام الأرقام والإحصاءات التي تملأ مواقع الإنترنت والتقارير والدراسات الاقتصادية محلياً وعالمياً عن مختلف أنواع الخلل في سياساتنا الاقتصادية وخصوصاً في موضوع التضخم وآثاره على مستويات المعيشة للمواطنين والعجلة الاقتصادية ككل.
أما السبب الآخر الذي يضع الحكومة في دائرة الاتهام المباشر على خلفية الارتفاع المتوحش للأسعار، فهو الصمت الغريب أمام استمرار الزيادة في أصناف السلع والمواد المختلفة الاستهلاكية والإنشائية والغذائية والعقار والقسائم السكنية وغيرها وبجرأة الثقة والتحدي من قبل التجار ليس الكبار منهم فحسب، بل حتى الباعة المتجولين والمطاعم الصغيرة انتهاءً بمحلات النخي والآش، أيضاً!!
والمفارقة هنا تكمن في أن الحكومة هي التي تقع تحت رحمة ونفوذ التجار وليس العكس في معادلة غريبة النتائج، فالجميع يعلم أن القطاع الخاص الكويتي في مجمله يعتمد في شريان حياته على المناقصات والترسيات والعقود الحكومية، حيث يخصص نحو %60 من الميزانية العامة للدولة سنوياً لهذا القطاع على شكل مشاريع، وعليه يفترض أن يكون هذا القطاع هو الحلقة الأضعف في هذه العلاقة وتخضع لضغط وتوجهات الحكومة إن أرادت ذلك، ولكن ما نراه هو العكس تماماً.
فبماذا تجيب وزارة التجارة على سبيل المثال عدم تفعيل لجنة مراقبة الأسعار المنبثقة من مظلة قانونية واجبة التنفيذ ومهمتها الحصول على البيانات التفصيلية لتكلفة السلع والمواد المستوردة من قبل الشركات التجارية وأجور شحنها وتخزينها ومن ثم تقييم أسعارها النهائية المفروضة على المستهلك ومبررات نسب زيادتها التصاعدية؟!
ولعل التفسير الوحيد والمنطقي لهذا التقاعس الحكومي المتعمد يكمن في قدرة الشركات على احتواء أصحاب القرار من بعض كبار المسؤولين إما بشرائهم بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وإما من خلال ربطهم في شبكات الشراكة والعمولات المغرية بحيث تكون المصلحة العليا هي آخر اهتماماتهم وليبقى شعار دولة القانون ومؤسسات القرار مجرد ماكياج خارجي على أننا دولة رسمية!