مزايدة الرواتب!

نشر في 06-02-2008
آخر تحديث 06-02-2008 | 00:00
 أحمد عيسى

في الكويت ياسادة، هكذا تكون القرارات السيادية، الزيادة تتحول إلى «مزايدة»، حكومة تكلف مؤسسة دولية إجراء دراسة، ثم تضرب عرض الحائط بتوصياتها، لإرضاء برلمان ينافس مجلس الوزراء على استرضاء «مواطن» يطالب بنصيبه من النفط، والجميع يشتركون بشخص عيونهم على احتياطي الأجيال القادمة،

قررت نقابة موظفي الطيران المدني قبل أربعة أشهر، من تلقاء نفسها، تعطيل حركة الملاحة في البلاد، للضغط على الحكومة لزيادة رواتب منتسبيها، وصادف أن أقر ديوان الخدمة المدنية، قبل تلك الحادثة بأسبوع، كوادر مالية مجزية للأطباء، وموظفي القطاع النفطي، فعلمت الحكومة يومها أنها فتحت باب شر، لن يغلق بسلام.

فقرر مجلس الوزراء أن يمسك العصا من المنتصف، إرضاءً للنواب والمواطنين، ووعد النظر جدياً في ملف الأجور، فعطل إقرار جميع الكوادر المالية، وطلب من البنك الدولي، كونه مؤسسة دولية مختصة، التعاون مع ديوان الخدمة المدنية، ودراسة زيادة رواتب الموظفين، ولم يكن واضحا وقتها ما إذا كان «الموظفون»، هم عموم المنتسبين للقطاع العام، أم الكويتيون منهم تحديداً.

حكومتنا حينما استعانت بالبنك الدولي، كانت قد قررت ضمنياً زيادة رواتب الموظفين، وما استعانتها بهذه المؤسسة الدولية، إلا لرفع الحرج عنها، وإيجاد مخرج اقتصادي لقرارها «مسبق الدفع»، فهي نفسها سبق لها رفض النظر في جميع المقترحات النيابية المتعلقة بزيادة الرواتب، بداعي عدم وجود حاجة لذلك، كما قررت رفض زيادة العلاوة الاجتماعية للكويتيين 50 ديناراً، التي أقرها مجلس الأمة في ديسمبر الماضي، بداعي عدم مواءمتها مع توجهها لزيادة رواتب الموظفين.

وفد البنك الدولي اجتمع إلى مختصي الحكومة، وسأل عن إحصاءات وأرقام وتصور الحكومة للزيادة، وطلب ستة شهور على الأقل، للانتهاء من تقديم دراسة بهذا الحجم، فكان الرد الحكومي أن قرار الزيادة اتخذ سلفاً، وسيُعلن في فبراير الجاري تزامناً مع احتفالات الكويت بعيدها الوطني، وأن على البنك تقديم تصوره في أسرع وقت، لتحديد النسب والآلية، حتى تتبنى الحكومة رأيه، وتحصل على شرعية دولية لقرارها.

انتهى البنك الدولي من دراسته الأسبوع الماضي، مؤكداً تضخم باب الرواتب الحكومية، وضرورة زيادة رواتب موظفي القطاع الخاص، وتشجيع العاملين في العام على التحول إلى الخاص، فردت الحكومة مطلع الأسبوع الجاري، بالتأكيد على أن زيادة «موظفيها» قرار سيادي، وسيقر في 25 فبراير الجاري بما يتزامن مع احتفالات الكويت بعيدها الوطني، وأنها ستنسق مع مجلس الأمة حول هذا الموضوع.

في الكويت ياسادة، هكذا تكون القرارات السيادية، الزيادة تتحول إلى «مزايدة»، حكومة تكلف مؤسسة دولية إجراء دراسة، ثم تضرب عرض الحائط بتوصياتها، لإرضاء برلمان ينافس مجلس الوزراء على استرضاء «مواطن» يطالب بنصيبه من النفط، والجميع يشتركون بشخص عيونهم على احتياطي الأجيال القادمة، ما يكشف أن «المزايدة» الآن أصبحت عمومية، إذ استمرأ الجميع «استرخاص» المواطن، لدرجة رشوته بحفنة دنانير تحسن صورة مانحها في نفسه، حتى لو كانت من حساب المستقبل أو عليه.

ماذا تصفون حكومة يؤكد رئيسها أن زيادة رواتب موظفيها ستقر بعد 19 يوماً، تبدأ من الآن، مع العلم بأن لا أحد في الكويت يعلم حتى الساعة، كيف سيكون شكل الزيادة أو حجمها، بمن فيهم المسؤول المباشر نفسه؟!

«مزايدة» الرواتب، وتوزيع «غلة النفط» على المواطنين، استرخصناها سابقاً، ولانزال، سواء أتت من الحكومة أو النواب، أو غيرهما، لكن ماذا نقول عن حكومة تحاول إقناعنا بأنها طوق نجاتنا للمستقبل، بينما تغير توجهاتها بين ليلة وضحاها، حتى إن كانت غير مقتنعة بها؟!

back to top