مطلوب الآن... مبادرة وطنية لإصلاح التعليم
الآن وقد مُنحت وزيرة التربية والتعليم العالي الثقة، فإننا نكرر ما سبق وطالبنا به بأن تتقدم بخطة منهجية وطنية لإحداث نقلة نوعية في التعليم من خلال مبادرة وطنية عاجلة لمشروع إصلاح التعليم تتعدى «الإنجازات» الإعلامية الشكلية.
بينّا، في مقال سابق، أن التعليم هو الضحية الدائمة لكل الاستجوابات التي ادعى أصحابها أنها تتناول موضوع إصلاح التعليم، فعادة ينتهي الاستجواب ويظل تردي التعليم مستمراً. بل لعلي لا أغالي إن قلت إن وضع التعليم قبل كل استجواب يتناوله هو أفضل منه بعده، ولنا في الاستجواب الأخير خير مثال هنا، فقد كان من ضمن تبعاته السلبية التزام الحكومة بمنع التعليم المشترك في الجامعات الخاصة بالرغم من الرأي الواضح والصريح لإدارة الفتوى والتشريع، وبالرغم من تعارض قانون منع التعليم المشترك (المسمى الاختلاط) مع حرية الاختيار التي كفلها الدستور وكانت فرصة ذهبية للحكومة، لو كانت ترغب، للطعن في عدم دستورية هذا القانون. وأيضاً كان من ضمن القرارات السلبية التي صدرت أثناء الاستجواب إلغاء بعض الضوابط المتعلقة بجودة التعليم العالي وغير ذلك من القرارات التي لا تصب في مصلحة تطوير التعليم.ولكن، لنترك تعداد ما رافق الاستجواب الأخير وما ترتب عليه من سلبيات جانباً الآن، ولنتجاوز مرحلة البكاء على اللبن المسكوب ونركز على المرحلة القادمة.لقد سبق وطالبنا وزيرة التربية والتعليم العالي بأن تتقدم، بمجرد أن ينتهي الاستجواب، بخطة منهجية وطنية عاجلة لإصلاح ما يمكن إصلاحه. والآن وقد مُنحت الوزيرة الثقة التي نهنئها عليها، فإننا نكرر ما سبق وطالبنا به مع إدراكنا أن المهمة شاقة ومعقدة من الناحيتين الذاتية والموضوعية. فوزارة التربية تعتبر أضخم وزارة فى الكويت من ناحية عدد العاملين وعدد المستفيدين المباشرين من خدماتها اليومية وحجم ونطاق إشراف القطاعات والوحدات التنظيمية التابعة لها. وإذا ما أضفنا إلى هذا العدد جميع العاملين والمستفيدين من خدمات وزارة التعليم العالي وجامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، فلنا أن نتصور ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتق الوزير المسؤول سياسياً عن هذه الجهات الإدارية كلها. فضلا عن أن طبيعة العمل في هذه الجهات كلها تتعلق بالتعامل المباشر واليومي مع العنصر البشرى في المراحل العمرية كافة والمستويات التعليمية المختلفة والبيئات الاجتماعية المتباينة. كما أن الخدمات التي تقدمها الوزارة بشكل يومي لها علاقة بسكان الكويت كلهم تقريباً. يضاف إلى ذلك تدني مؤهلات وقدرات بعض القياديين والعاملين وطبيعة العمل البيروقراطي في الوزارة الذي يخضع لنظام وقانون الخدمة المدنية الذى عفى عليه الزمن.أما من الناحية الموضوعية، فإن الوضع يزداد صعوبة وتعقيداً في ظل المعطيات السياسية الحالية وطبيعة القوى السياسية المهيمنة على التعليم والمتمصلحه منه. علاوة على أن الإصلاح الجذري للتعليم هو جزء من الإصلاح السياسي العام الذى لم نرَّ بوادره حتى الآن.ولكن، ورغم كل هذه الظروف الذاتية والموضوعية الصعبة، فإننا نعتقد بإمكان إحداث نقلة نوعية في مراحل التعليم جميعها.هذه النقلة النوعية يجب أن تأتي من خلال مبادرة وطنية عاجلة لمشروع إصلاح التعليم تتعدى «الإنجازات» الإعلامية الشكلية التي تركز على قشور العملية التعليمية وتهمل جوهرها، على أن تتبنى الحكومة هذه المبادرة كسياسة عامة واضحة الأهداف ومحددة الوسائل والآليات وذات إطار زمني محدد، وتعلنها بشكل شفاف وتسوقها وتدافع عنها بكل ما تملك من إمكانات دستورية ومالية وبشرية وإعلامية، ويتم التوافق عليها مع مجلس الأمة ثم تلتزم الحكومة بتنفيذها. ومن الممكن أن تشتمل هذه المبادرة، من ضمن أمور كثيرة، على عملية تفكيك أو إعادة هيكلة جذرية لوزارتي التربية والتعليم العالي. على أنه في غياب هذه المبادرة سيظل التعليم عرضه لسياسات الترقيع المؤقت وللمزايدات والتدخلات السياسية وللمصالح الانتخابية الانتهازية.فهل نرى هذه المبادرة قريباً؟ أتمنى ذلك.