ضاعت وزارات الخدمات بين مهمتها الأصلية المتمثلة في تنظيم خدماتها وضبطها ومراقبتها، وبين تقديم هذه الخدمات إلى المستهلك بنفسها، الأمر الذي أدى إلى ضياع الجهد والمال، بينما الخدمات في أسوأ حال.

Ad

ولنأخذ وزارة المواصلات على سبيل المثال، فهي تقدم خدمة الهواتف الأرضية والبريد والبرقيات بشكل مباشر بينما تنظّم خدمتي الهواتف النقالة والإنترنت.

والمقارنة هنا واضحة بين مستوى الخدمات التي تقدمها الوزارة بشكل مباشر وتلك التي تقدمها شركات تحت إشراف الوزارة وضوابطها.

وهنا يتبين لنا مدى أهمية الدور الأساسي للوزارة في تنظيم تلك الخدمات، ووضع الضوابط لها، ومراقبة جودتها، وضمان التنافس بين مقدميها، بدلاً من أن تقدمها هي بنفسها، ومن خلال جيش جرّار من الموظفين الذين يعملون في إطار نظام بيروقراطي قاتل.

قد يقول قائل: إنني أدعو إلى الخصخصة بشكل غير مباشر، غير أن اهتمامي لا ينصبّ على من يملك تلك الشركات التي تقدّم الخدمات، بل على دور الوزارة، وبالتالي أقول لمن لا يريد خصخصة خدمات وزارة المواصلات: إن بإمكان الوزارة إنشاء شركات لها النصيب الأكبر من الأسهم فيها، بحيث تكون ملكاً للقطاع العام أو تفتح الشركات للاكتتاب العام للمواطنين، كما تمّ مع شركة الهواتف النقالة الثالثة.

إن تركيز الوزارة على دورها الأساسي يخلّصها من عبء تقديم الخدمات ومنافسة مَن هم أقدر منها، وهي غير مهيأة لتلك المنافسة بسبب القيود المالية والإدارية التي يفرضها النظام المحاسبي للدولة، بينما بإمكانها أن تبدع في وضع الضوابط لشركات الإنترنت والهواتف النقالة وكذلك للشركات التي تقدم خدمة البريد والهواتف الأرضية إن أنشأت هيئة لتنظيم الاتصالات، ثم تشكل فرقاً للتفتيش والمتابعة لضمان جودة تلك الخدمات وعدم احتكارها من قبل جهة واحدة، وعدم التلاعب على النظم وضمان رضا المستهلكين.

أظن أن وزارة المواصلات لو فعلت هذا لأصبحت مثالاً يحتذى في المنطقة بل ربما أتت بعد البحرين والإمارات اللتين انتهتا من تأسيس هيئات لتنظيم الاتصالات على أسس علمية وتجارية متبعة في أغلب دول العالم المتقدمة، ولنا في الخدمات التي تقدمها الشركات المراقبة من قبل تلك الهيئات أمثلة كافية على النجاح المضمون.

فقد ذُهلت وأنا أزور صديقاً كويتياً مهاجراً جزئياً إلى البحرين وهو يتحدث عن سهولة تجديد تأمين سيارته بتعبئة استمارة في مكتب شركة التأمين يسلّمها بعد ذلك إلى مكتب البريد... نعم مكتب البريد «ولا يحتاج الأمر بعد ذلك سوى انتظار أيام تقل عن الأسبوع الواحد وإذا بأوراق السيارة المجدّدة قد وصلت عبر البريد أيضا».

ويقول صاحبي: إن جودة الخدمة البريدية جعلت من تقديم الخدمات الأخرى المعتمدة عليها أمراً ممكناً، فتجلّت حتى الأجهزة الحكومية في تقديم خدماتها لأنها تعتمد على بريد دقيق وفعّال وسريع، فهل لوزارة المواصلات التركيز على دورها الجوهري وترك «الخبز لخبازه» في ما يتعلق بتقديم تلك الخدمات بشكل أفضل؟