مساء يوم الأحد، في ديوان سمو رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد وخلال لقاء له مع وفد من الأكاديميين كنت من ضمنه، وخلال حديثه عن كيف أنه والحكومة ينظرون لمَن قاموا بالتأبين بأنهم بالرغم مما حصل سيبقون أبناء للكويت، وأنهم إن كانوا قد أخطأوا فإن الأمر سيتعامل معه من خلال القنوات القانونية الواضحة، وأن سموه حرص في تصريحاته كلها على التركيز على أن المسألة لن تتجاوز إطار حادثة «التأبين» ولن تتعداها من باب التركيز على الوحدة الوطنية، أقول إنه في الوقت نفسه، وأثناء هذا الحديث الإيجابي المطمئن لرئيس الحكومة، كانت رسائل عبر هاتفي النقال عن تجمهر العشرات أمام مبنى أمن الدولة احتجاجا على اعتقال الأمين العام للتحالف الإسلامي الوطني الشيخ حسين المعتوق الذي نقل لي أنه تم بطريقة أشبه ما تكون بالأفلام البوليسية، تشابه، إن لم تكن تتفوق على صعيد الإثارة، طريقة اعتقال الدكتور ناصر صرخوه منذ أيام، وهو في طريقه إلى طلابه في الجامعة.

Ad

شعور بالحيرة لازمني طوال اللقاء، ما بين ما أسمع من سيادة الرئيس، وما كان يصلني في الوقت نفسه من رسائل عن تطورات الأحداث، وكذلك ما أقرأ يومياً على صفحات الجرائد وما يردني من أخبار ومعلومات عن الإجراءات الأمنية ذات الطابع التعسفي مع المتهمين على خلفية الموضوع! هناك حلقة مفقودة حتما في القصة!

الحكومة ممثلة برئيسها تقول إن الأمور في إطارها المحدد، في حين أنها بحسب ما تنقله الصحف والأخبار قد «فاضت» عن هذا الإطار المحدد، بل تكاد تكون وصلت إلى درجة الغليان. اتهامات يومية في بعض الصحف بالعمالة لإيران و«حزب الله»، وبلاغات كاذبة عن قنابل ومتفجرات هنا وهناك، وبالأمس تجمهرٌ للعشرات أمام مبنى أمن الدولة إثر اعتقالات واستجوابات ذات طابع تعسفي، ودخول قوات مكافحة الشغب إلى مسرح الأحداث، ولا ندري إلى أين ستتجه الأمور بعد ذلك؟!

لذلك ألا يحق لنا أن نتساءل، ما حجم هذا الإطار المحدد؟ ومن الذي يدير عجلة الأحداث بهذه الوتيرة المحتقنة ويحدد حجم الإطار ياترى؟

من غير المعقول أن يكون المحرك الأساسي لهذه الأحداث الآخذة في الاتجاه بمنحى تصاعدي تأجيجي هو «الصوت الصحفي الشاحن» وتلك الأقلام الفاقدة للإحساس بالمسؤولية، لأنه إن صدق هذا فعلى البلد السلام، وما أسهل اختطافه!

حين تحدثت من ضمن مَن تحدثوا في لقائنا معه عن الدور السلبي الذي لعبته الصحافة تجاه الأزمة، وكيف أن بعض الصحف والكتّاب وبدعوى حرية التعبير والصحافة، تجاوزوا حدود الموضوعية كلها وتخلوا عن روح المسؤولية، وساهموا في تأجيج المسألة وشحن عواطف الناس تجاه بعضها بعضاً بشكل يهدد بشرخ المجتمع بشكل سيصعب علاجه، وكذلك حين تحدث الدكتور إبراهيم الهدبان أستاذ العلوم السياسية عن أنه في فترات الأزمات والاحتقانات يحق للنظام أن يقيد بعض جوانب الديموقراطية لأجل إعادة الأمور إلى نصابها، أجابنا سمو الرئيس بأن الحرية جزءٌ أساسي من الديموقراطية، وأنه متمسك بها مهما حصل لأنها صمام أمان لهذا البلد.

كلام جميل، ويسعدني شخصياً أن أشعر بأن القيادة السياسية متمسكة بالديموقراطية حتى الرمق الأخير، لكنني أؤمن في الوقت نفسه بأن هذا لا يتعارض مع قدرة النظام على إبقاء الأمور تحت السيطرة، وعدم تركها تنفلت على يد فاقدي الإحساس بالمسؤولية ومَن يحركونهم من أطراف الفساد.

تباطؤ الحكومة في التعامل مع المسألة منذ بدايتها وحتى اللحظة يعد تقصيراً في تصوري لا يمكن تبريره بأن هذه هي الديموقراطية وهذه هي مستلزماتها. ديموقراطيتنا في الكويت لطالما قامت من ضمن ما قامت عليه على عمود حكمة القيادة السياسية التي تتدخل في الأزمات والملمات، فلماذا تقصر اليوم عن قيامها بدورها؟! لماذا لا يكون هناك توجيه سياسي للصحف بالتحلي بروح المسؤولية في التعامل مع هذه القضية، خصوصاً أن الأمر الآن قد وصل إلى ساحة السلطة القضائية؟ وكذلك لماذا لا يكون هناك توجيه سياسي لأجهزة الأمن للتحلي بالمسؤولية والحكمة وضبط النفس في التعامل مع المرتبطين بالموضوع؟ لماذا تتم الأمور في هذا الإطار الدرامي التأجيجي؟ ولمصلحة من؟!

لا سبيل لإطفاء هذا الفتيل المشتعل الذي يهددنا جميعا إلا بالحكمة والعقلانية، والدور الأكبر معلق في عنق القيادة السياسية، وإلا ستجر البلد إلى مستنقع الفوضى والضياع وحينها لن ينفع الندم. ألا هل بلغت... اللهم فاشهد.