معركة العراق تجمد الأوراق الإقليمية!

نشر في 10-04-2008
آخر تحديث 10-04-2008 | 00:00
 محمد صادق الحسيني

إن الأميركيين غارقون في همّ إيجاد المخرج المناسب لهم من العراق أولا وقبل كل شيء! وهذا يعني أن مركز ثقل الصراع بين المشروع الأميركي والمشروع المضاد الذي غالبا ما يسمى بالمشروع «الإيرلاني» إنما هو في العراق وحول العراق رغم كل الأهمية التي يوليها الطرفان للقضيتين الفلسطينية واللبنانية!

رغم كثرة الحديث عن لبنان واستحقاقاته الرئاسية وغير الرئاسية، ورغم كثافة تحرك اللبنانيين نحو المحيط الإقليمي والدولي للبحث عن تسوية لأزمتهم المستعصية ظناً منهم أنها هي المحور لاهتمامات العالم القريب والبعيد، وأنها هي المعضلة التي تخطف النوم والهدوء والاستقرار من رؤساء العالم وزعمائه، فإن العالم منشغل بهمٍّ آخر تماما اسمه «العراق» وكيفية نقل السلطة من الرئيس الأميركي الراهن الغارق في المستنقع العراقي إلى الرئيس المقبل ديموقراطيا كان أم جمهوريا -لا فرق- لإدارة الهزائم المتلاحقة والأخطار المحدقة بمستقبل أميركا بشكل مشفق!

حتى القضية الفلسطينية التي يسميها «العالم الحر» بأزمة الشرق الأوسط لم تعد أولوية بالنسبة لهم بقدر ما هي لعبة تمويهية لذر الرماد في العيون ونوع من الحركة الخالية من البركة في الوقت الضائع المتبقي للرئيس الأميركي المنتهية ولايته بعد نحو 300 يوم من الآن!

لقد خسرت أميركا الحرب في العراق باعتراف أغلبية ما تبقى من عقلاء أميركا، وقد خسرت بطانة الاحتلال الأميركي في العراق الرهان على الحصان الأميركي بامتياز أيضا!

إن أي مراقب «كيّس فطن» ومن خلال متابعة دقيقة لما يجري على الأرض العراقية، يستنبط بأن الموصل والبصرة والعاصمة بغداد بما فيها المنطقة الخضراء، ورغم مرور خمس سنوات على الاحتلال لا تزال مدنا عصية على الاحتلال وعلى بطانته المستقوية به!

هذا فضلا عن عشرات المدن والقرى والدساكر التي إن بدت في الظاهر أو في النهار مثلا تحت سيطرة ظاهرة لما يسمى بالحكومة المركزية فإنها تحكم في الباطن وفي الليل دائما من قبل قوى أخرى غير تلك المنظوية تحت راية الاحتلال!

يكفي أن نقرأ آخر تقرير أميركي عن العراق لنسمع عبارة «إن الأمن لايزال هشا» في هذا البلد تتكرر في أكثر من فقرة!

يكفي أن ينفجر أي خلاف بين الحكومة المركزية وبين أي جماعة عراقية في أي مكان ما في العراق حتى نرى كيف أن الانفلات الأمني هو الحاكم في عموم البلاد، وتجربة البصرة الأخيرة خير دليل على ذلك!

ويكفي أن نسمع عن وجود نحو 28 ميليشيا، هذا غير قوى المقاومة السرية، ناهيك عن الاختراقات الجدية لقوى الجيش والشرطة من قبل الميليشيات أو المقاومة!

هذا غيض من فيض مما يعانيه الأميركيون الذين يعتبرون أنفسهم قد خسروا الحرب في العراق، ولم يبق أمامهم إلا الخروج المشفق و«المشرف» بما لا يعطي انطباع الهزيمة للدولة الأقوى في العالم وبما لا يعطي انطباع الانتصار للقوى المقاومة والممانعة التي يصنفونها ضمن قوى «الشر أو الإرهاب» لا فرق!

نستنتج مما سبق أن الأميركيين غارقون في همّ إيجاد المخرج المناسب لهم من العراق أولا وقبل كل شيء! وهذا يعني أن مركز ثقل الصراع بين المشروع الأميركي والمشروع المضاد الذي غالبا ما يسمى بالمشروع «الإيرلاني» إنما هو في العراق وحول العراق رغم كل الأهمية التي يوليها الطرفان للقضيتين الفلسطينية واللبنانية!

الأميركيون في لبنان لا يملكون من أمرهم وأمر حلفائهم إلا تجميد موازين القوى الراهنة إلى حين انقشاع الرؤية في العراق، ولا يملكون من أمرهم في فلسطين إلا اللعب في الوقت الضائع إلى حين انتهاء ولاية بوش وتحميل الإدارة الجديدة الملف الدائم والمزمن!

نعم «حزب الله» اللبناني قد يستطيع في لحظة ما أن يقلب موازين القوى على غير ما هي عليه الآن ولديه القدرة على فعل الكثير، إلا أن ذلك لا يحصل دون أخذ الحقيقة الآنفة الذكر بعين الاعتبار!

إسرائيل من جهتها تستطيع هي الأخرى أن تجازف، ولديها الرغبة الجامحة بمثل تلك المجازفة، لكنها ستورط أميركا هذه المرة، بمقامرة لا قبل لها بها!

تجربة البصرة الأخيرة كانت مغامرة أميركية خاسرة، والمغامرة الثانية التي يحضر لها الآن هي محاولة شطب قوى المقاومة مما يسمى بالعملية السياسية وفي طليعتها التيار الصدري!

لكن هذه المغامرة قد تتحول إلى المقامرة بحكومة المالكي والعملية السياسية كلها، والانتقال بالعراق إلى مفصل حقيقي يصار من خلاله إلى خلط الأوراق على الساحات الإقليمية كلها!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

back to top