ضعف الدافعية والروح المعنوية دمر الدفاعات العراقية، فقسوة الخدمة العسكرية، والاعتقاد بعدم جدوى المقاومة، وعدم الحماس للقتال من أجل صدام أدت إلى عدم حماس أغلبية الضباط والأفراد للقتال أو إلى الفرار حتى قبل بدء المعارك.بصرف النظر عن الفاصل الساخر الذي اتحفنا به محمد سعيد الصحاف وزير الاعلام أو الدعاية العراقية الأسبق عن «العلوج»، أو عن رمزية بطولات «منقاش» صائد الطائرات، كان خروج صدام حسين وأداؤه لرقصة الموت الأخيرة، في إحدى ضواحي بغداد وتفكك المقاومة المفترضة للجيش العراقي بتلك السرعة، مثيراً للتساؤل، وظلت تلك التساؤلات حتى القبض عليه في إحدى الحفر بإحدى المزارع، وقد اتضحت الإجابة عن تلك التساؤلات بالنسبة إليّ من خلال زياراتي المتكررة للعراق بعد سقوط صدام حسين في مهمات إنسانية متنوعة ومتعددة شرحتها في مناسبات ولقاءات خارج وداخل الكويت، إلا انه من المفيد إلقاء الضوء على تقرير أخير صدر عن مؤسسة «راند» ضمن مشروع القوات الجوية يحلل بإسهاب أسباب ذلك السقوط السريع محاولاً الإجابة عن الأسئلة التالية: لماذا لم تقم أغلبية القوات العراقية بمقاومة تذكر؟ ولماذا لم يتبنَّ القادة العراقيون إجراءات دفاعية تؤدي الى رفع تكلفة الغزو الذي شنته قوات التحالف؟ وقد جاءت الإجابة من خلال مقابلات مستفيضة مع قيادات عسكرية عراقية على النحو التالي:
أولاً: سوء تقدير صدام حسين (كالعادة) حيث كان يظن أن الحرب مع الولايات المتحدة بالإمكان تجنبها، وأن المعركة ستكون عبارة عن هجوم جوي ولن تتحول الى غزو بري، وفي نهاية الأمر فإن قوات التحالف ستقبل بتسوية عبر التفاوض مع الإبقاء على نظامه في السلطة.
ثانياً: كان صدام منشغلاً بالتهديدات الداخلية. حيث كانت الترتيبات الأمنية القائمة تركز على إحباط الانقلابات أو الانتفاضات أو التمرد الداخلي، مما أضعف من تبني استراتيجية دفاعية فعّالة، وهمش من نوعية وكفاءة القيادة العسكرية العراقية وبتبعية منهجية اتخاذ القرار العملياتي، ومنع وجود تنسيق فعال لقيادة عسكرية موحدة.
ثالثاً: ضعف تصميم وتنفيذ الاستراتيجية العسكرية العراقية. ما أدى إلى فشل النظام الدفاعي في استثمار البدائل الممكنة لإدامة المعارك وإطالتها وبالتالي زيادة خسائر التحالف.
رابعاً: ضعف الدافعية والروح المعنوية دمر الدفاعات العراقية، فقسوة الخدمة العسكرية، والاعتقاد بعدم جدوى المقاومة، وعدم الحماس للقتال من أجل صدام أدى إلى عدم حماس أغلبية الضباط والأفراد للقتال أو الفرار حتى قبل بدء المعارك.
خامساً: تفوق القدرات العسكرية لقوات التحالف أعطاها هامشاً كبيراً في التأثير على مجريات المعارك، فقد استطاعت قوات التحالف الأرضية والجوية أن تصيب أهدافها بدقة متناهية، وأن توجه لها ضربات مدمرة من مسافات بعيدة وأثناء الليل، كما كانت مرونتها وقدرتها على تحريك قواتها الأرضية بسرعة وإدامة زخمها لمسافات بعيدة من أسباب إضعاف القدرة العراقية لإظهار مقاومة متماسكة.
وحيث إن الأجابة عن تلك التساؤلات أصبحت بهذا الوضوح، فإنه بات مفيداً ألا يتم تفسيرها انطلاقاً من أن التفوق العسكري القائم على التكنولوجيا ووسائل الاتصال المتطورة بالضرورة ستؤدي إلى تفوق جيش قليل العدد نسبياً ضد جيش أكبر عددياً، ولكنه أقل تطوراً تكنولوجيا.
ومن المهم أن نفهم أن الحالة العراقية قد لا تتكرر، كما أنه من المهم أن نستوعب أن الانتصار العسكري السريع وتفكيك الدولة العراقية وهروب الجيش وعدم قدرة أو كفاءة المنتصر في التعامل مع ما بعد الانتصار العسكري قد فتح الباب على الاحتمالات المأساوية كلها الجارية الآن في العراق.
وعسى ألا يتم المضي في الفهم والتفسير ذاتهما حين التفكير في إيران...