إذا عُرف السبب بطل العجب!!

نشر في 18-08-2007
آخر تحديث 18-08-2007 | 00:00
 صالح القلاب

لم تتخل المملكة العـربية السعودية عن سورية في أي يوم من الأيام حتى عندما كان نظامها، في الفترة منذ الثالث والعشرين من فبراير عام 1966 حتى منتصف نوفمبر عام 1970، من أكثر الأنظمة التي عرفتها المنطقة تزمتاً و«راديكالية» فإن الرياض لم تتخل عن دمشق وبقيت تقف إلى جانبها وتعـزز صمودها وتدعمها بصدق وسخاءٍ وإخلاص لمواجهة التحديات الإسرائيلية.

في محاضرة له في «المركز الثقافي العربي» في دمشق، قبل أقل من أسبوع، تحدث نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عن «الخلل» في العلاقة بين بلاده والمملكة العربية السعودية، وقال إن سبب هذا الخلل الذي لا يعرف أسبابه ليس سورية «إذْ ليس من المعقول أن نضحي بعلاقة عمرها ستة وثلاثون عاماً ولم يحصل خلالها أي سوء تفاهم»!!

وبالنسبة للشرع فإنه مادام أن علاقات بلاده بالمملكة العربية السعودية تعاني «الخلل» فإن هذا معناه أن الدور السعودي بات «شبه مشلول في المنطقة»، فالسعودية من وجهة نظر نائب الرئيس السوري يكون دورها في المنطقة فاعلا وغير مصاب بـ«شبه شلل» عندما تكون علاقاتها بسورية على ما كانت عليه في السابق ليس خلال الـ«36» عاماً، التي لم يحصل خلالها أي سوء تفاهم، وإنما قبل ذلك بكثير أي منذ أربعينيات القرن الماضي.

لم تتخل المملكة العـربية السعودية عن سورية في أي يوم من الأيام وحتى عندما كان نظامها، في الفترة منذ الثالث والعشرين من فبراير عام 1966 حتى منتصف نوفمبر عام 1970، من أكثر الأنظمة التي عرفتها المنطقة تزمتاً و«راديكالية» فإن الرياض لم تتخل عن دمشق وبقيت تقف إلى جانبها وتعـزز صمودها وتدعمها بصدق وسخاءٍ وإخلاص لمواجهة التحديات الإسرائيلية.

في هذه المحاضرة التي كانت قبل أقل من أسبوع في «المركز الثقافي العربي» في دمشق ردد فاروق الشرع، الذي قبل أن يصبح نائباً لرئيس الجمهورية كان وزيراً للخارجية سنوات طويلة وكان قبل ذلك سفيراً لبلاده في روما، أكثر من مرة انه لا يعرف السبب الذي أدى إلى هذا الخلل في العلاقة بين سورية والسعودية وقال «إنه ليس من سورية»!!

وهنا وإذا كان هذا الدبلوماسي العريق يعرف سبب هذا الخلل، فإن تلك مصيبة وإذا كان لا يعرف فإن المصيبة أكبر... والمؤكد أنه يعرف كل شيء، وذلك لأن حتى طلبة المدارس في دولة مسيَّسةٍ حتى النخاع الشوكي يعرفون الأسباب التي أدَّت إلى تردي العلاقات السعودية-السورية، فكيف الأمر بالنسبة لمسؤول كبير يحتل هذا الموقع المرموق الذي يحتله.

لا توجد دولة في العالم «أطول روحاً» من المملكة العربية السعودية في اتخاذ القرارات فهي ليست من الدول المتقلبة النزقة والمتشنجة، وهي ليست من الدول التي تخضع علاقاتها مع الآخرين لتقلبات الأمزجة، ثم وفوق هذا كله فإن المعروف أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كانت تربطه علاقات خاصة بالرئيس السوري حافظ الأسد وكان المبادر دائماً للوقوف إلى جانب سورية عندما تتعرض لأي ضغط سواء كان ضغطاً داخلياً أو من الخارج.

فهل يريد الأستاذ فاروق الشرع أن يعرف سبب «الخلل» في علاقات بلاده مع المملكة العربية السعودية...؟!

أولاً: إن انحياز سورية، الذي كان مقبولاً في فترات سابقة، إلى إيران لم يعد مقبولاً في ظل التدخل الإيراني السافر في العراق وفي لبنان وفي فلسطين وفي اليمن وفي عدد من دول الخليج العربي!! وفي ظل سعي طهران المحموم إلى دور إقليمي في المنطقة.

ثانياً: إن ما جرى في لبنان منذ اغتيال رفيق الحريري والذي كان لدمشق ضلع كبير فيه، هذا إن لم تكن هي المسؤولة عنه مباشرة، كان ولايزال يستهدف المملكة العربية السعودية وحلفاءها ومكانتها ودورها الإقليمي الذي كان دائماً للمصلحة العربية العامة وليس لأي مصلحة خاصة.

ثالثاً: ما كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتوقع أن يسمع من بشار الأسد ذلك الكلام القاسي الذي قاله في خطاب «الانتصار الإلهي» الشهير والذي وصف فيه القادة العرب بأنهم «أنصاف رجال»... فهل هناك أكثر من هذا السبب لهذا الخلل في العلاقات السعودية-السورية... وإذا عُرف السبب بطل العجب!!

 

*كاتب وسياسي أردني

back to top