«…أردوغان يتحدث بلغة الاقتصاد، والأتراك لا يصوتون للحزب ذاته مرتين متتاليتين»... جملة سمعتها بنفسي قبل عامين أثناء حضوري مؤتمر اسطنبول الذي أقيم تحت مظلة الاتحاد الأوروبي واستهدف إلقاء نظرة «غربية» على المعايير «الشرقية» للإصلاح في منطقة الشرق الأوسط.

Ad

ولكن الأتراك، وللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923، صوتوا لحزب «أردوغان» مرتين متتاليتين، وفاز الجناح الإسلامي المعتدل في تركيا والمسمى بـ«حزب العدالة والتنمية»، في الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت قبل أيام للمرة الثانية، وبنسبة أكبر من سابقتها قبل خمسة أعوام، جاذباً نحو %47 من أصوات الناخبين الأتراك حتى حصل على ما يقارب 340 مقعداً من أصل 550 في البرلمان، أمام منافسيه من الأحزاب الأخرى، كحزب «الحركة القومية» اليميني، الذي ينظر إلى الأقليات العرقية والدينية بنظرة الشك والحذر، ويقاوم جهود الانضمام للاتحاد الأوروبي، وحصل على ما يقارب سبعين مقعداً، بعد أن حقق النسبة المطلوبة من الأصوات التي تسمح له بالعودة إلى الحياة السياسية حيث تشترط القوانين الانتخابية في تركيا أن تكون النسبة فوق عشرة في المئة، والحزب «الجمهوري» العلماني، الذي حصل على أكثر من مئة مقعد، والمفاجأة هي وصول الأكراد إلى البرلمان بوصفهم مستقلين، لأول مرة منذ عشر سنوات، وحصولهم على 27 مقعداً، ويراهن كثيرون على سعيهم إلى المطالبة بمنح الأقلية الكردية مزيداً من الحقوق.

وفي هذا السياق أذكر تقريراً قرأته للباحث «لارابي»، نشرته مجلة العلاقات الخارجية «فورين أفيرز» في عددها الأخير، تناول السياسة الخارجية التركية وارتداءها الثوبين الاقتصادي والأمني بعد فوز حزب «العدالة والتنمية»، وجذبها المحاور والأحلاف الإقليمية في المنطقة، باستضافتها خادم الحرمين الشريفين في زيارة تاريخية في العام الماضي، والرئيس السوري أيضاً، واستضافتها الرئيس المصري أيضاً. ويفسر «لارابي» اتجاه تركيا إلى الشرق الأوسط على أنه نابع من رغبتها في أن تكون «اللاعب الدبلوماسي» في المرحلة المقبلة، ويطرح الباحث أيضا مخاوفه من «أسلمة» السياسة الخارجية التركية.

أما لغة الاقتصاد التي يجيدها رئيس الوزراء التركي، فسبق أن تحدث بها أثناء زيارته للكويت عام 2005، طارقاً باب الاقتصاد الكويتي، وداعيا المستثمرين الكويتيين إلى دخول الأسواق التركية، والذين بدورهم لبّوا الدعوة بزيارتهم تركيا بصحبة رئيس الوزراء هذا العام.

لاشك أن التحديات المقبلة التي ستواجهها تركيا ليست بقليلة، وأبرزها محليا؛ اختيار رئيس ليحل محل «سيزار»، الذي انقضت فترة ولايته، وهنا نتساءل هل سيتأثر أردوغان وينتهج نهجاً أكثر وسطية نظراً إلى دخول المزيد من الليبراليين إلى البرلمان، وفي ضوء «الانقلاب الإلكتروني» المتمثل في بيان الجيش التركي الاحتجاجي على شبكة الإنترنت المناهض لترشيح «غول»، المتهم بمغازلة الإسلام السياسي، لمنصب الرئاسة؟ ... والتحدي الآخر يتعلق بمدى نجاح تركيا في مسعاها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من معارضة بعض الدول وإصرارها على رفض دخول أنقرة الاتحاد الأوروبي من بوابة «العضوية الكاملة»، إنما دخولها سيكون، حتماً، من نافذة «الشراكة المتميزة».