Ad

يمكن أن نكسب حماسة المواطن الخليجي للتفاعل مع مسيرة المجلس من خلال تطوير الهيئة الاستشارية الخليجية، وتفعيل العمل الثقافي المشترك، واستقلالية العمل الإعلامي المشترك، والإسهام في قضايا حقوق الإنسان، والتقريب بين المناهج التعليمية الخليجية، ومعالجة الخلل في مشكلة التركيبة السكانية.

ومتابعة لما ورد في الجزء الأول من هذا المقال نستكمل ما يتعلق بالإجابة عن سؤال: ما الذي استفاده المواطن الخليجي على المستوى الشخصي من مجلس التعاون؟

قلنا إن الحرص كان من البداية على التكامل الاقتصادي والأمن والاتحاد الجمركي ومشروع الربط المائي ومشروع الطاقة النووية السلمية، على أن الإنجاز التاريخي الأهم للمجلس الذي ينبغي تسليط الأضواء عليه بكثافة وكسب حماسة المواطنين واهتمامهم به هو تحقيق حلم الخليجيين على مدى 26 عاماً في قيام «السوق الخليجية المشتركة» حيث قرر القادة في قمة الدوحة-قمة التحدي والإنجاز- إطلاقها بدءاً من يناير 2008. هذا الإنجاز يحقق «المواطنة» الاقتصادية الخليجية بمعنى أن الخليج أصبح «مواطنا» في أقطار الدول الست: عملاً واستثماراً وتملكاً إضافة إلى تمتعه بكل الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية المكفولة للمواطن، وله حرية الإقامة والتنقل وتملك العقار وتداول الأسهم وشرائها وتأسيس الشركات وممارسة المهن الحرة والحرف أو النشاطات الاقتصادية والاستثمارية أو الخدمية وفرصة العمل على قدم المساواة مع المواطنين وكذلك المساواة في المعاملة الضريبية.

كان مشروع السوق قد أعلنها عام 2003 وكان مقرراً إطلاقها 2007 وتأخر إلى يناير 2008، ويعد نجاح المجلس في تحقيق هذا الإنجاز عملاً متقدماً، إذ إنه لأول مرة يتحقق مشروع وحدوي خليجي وعربي، إذا قارنا ذلك الإخفاق الملازم لكل المشاريع العربية المشتركة سواء عبر صيغة الجامعة العربية أو الصيغ المشتركة الأخرى مثل الاتحاد المغاربي المشلول.

إطلاق «الاتحاد الجمركي» يناير 2003 و«السوق المشتركة» يناير 2008 خطوتان أو ركيزتان أساسيتان في تحقيق الهدف الأكبر «التكامل الاقتصادي» ويبقى توحيد العملة الخليجية 2010 حتى تكتمل الصورة، كان الأمر الأهم الآن تفعيل مبدأ «المواطنة الاقتصادية» حتى يشعر الخليجي في أي قطر خليجي فعلاً بالمساواة الاقتصادية، ولذلك ينبغي على الدول الخليجية مراجعة تشريعاتها المحلية لتتواءم مع مبدأ «المواطنة الاقتصادية».

نعم المسيرة الخليجية نجحت وحققت حلما عربيا عجزت عنه بقية التجمعات العربية، والخليج يعيش أفضل أزمنته، والقادم سيكون أفضل بكثير بإذن الله، وهو اليوم صورة اقتصادية مشرقة ولكن ماذا بعد؟

هذا السؤال ينقلنا إلى موضوع حيوي آخر كثيراً ما تعرض له الكتّاب أو المعلقون وهو: لماذا كثر نقد مسيرة التعاون؟ ولماذا يغلب الجانب السلبي دائما؟ ولماذا لا نلمس تحمساً من الخليجي لأداء المجلس وإنجازاته؟ ولماذا لا يدافع الكتّاب عن إنجازات المجلس؟

لقد أشار عبدالله بشارة في مقالته بمجلة العربي ديسمبر 2004، إلى هذه النقطة حين قال «لقد رافق ولادة المجلس نقد كثير لهويته ووثائقه، ولاسيما في الأوساط الصحفية في الكويت، «حيث كنت أشارك في ندوات كثيرة 1981-1990 أستمع فيها إلى نقد لاذع ومبالغ فيه للمجلس من تيارات قومية وتجمعات حزبية، مع استرخاء واضح من الأغلبية التي لم تكن تظهر اهتماماً بالمجلس» ومثل هذا النقد يتجدد كل سنة قبيل انعقاد القمة الخليجية السنوية، وهناك من يركز على المنجزات، ويقول إنه تحقق الكثير مقارنة بما قبل، وهناك من يركز على ما لم يتحقق حتى الآن مقارنة، بسقف الطموحات فيحكم بضآلة المتحقق، والسؤال الآن: كيف نكسب حماسة المواطن الخليجي للتفاعل مع مسيرة المجلس؟

المجلس وإن أنجز مكاسب اقتصادية للمواطن الخليجي إلا أنه في المجالات الأخرى الثقافية والإعلامية وحقوق الإنسان والتعليم والمشاركة الشعبية لازال ثقيل الخطى أو متمهلا، وحتى ينشط درو المجلس في هذه المجالات أتصور الآتي:

1 - تطوير الهيئة الاستشارية الخليجية: في قمة الكويت 1997 تقرر إنشاء الهيئة المكونة من 30 شخصا من أصحاب الخبرات للنظر في القضايا التي يحيلها المجلس الأعلى إليها لعرض مرئياتها ثم تقديمها إلى القادة، وقد مضت عشر سنوات على الهيئة من دون أي تطوير، وقد آن الأوان لتفعيل عمل الهيئة عبر 3 مرتكزات:

أ- تطوير الاختصاص ليكون من حق الهيئة المبادرة بدارسة الموضوعات وتقديم المرئيات ومتابعة مصير مرئياتها عبر الأجهزة التنفيذية للمجلس.

ب - الأخذ بأسلوب الانتخابات بأن يكون نصف الأعضاء على الأقل منتخبين.

ج- ضرورة تعيين بعض الكفاءات النسائية في الهيئة تقديراً لدور المرأة في المجتمع الخليجي وعدالة في تمثيل نصف المجتمع الخليجي.

2 - تفعيل العمل الثقافي المشترك: لقد كان من أهداف المجلس تطوير دولة في كل المجالات ومن أهمها النهوض بالإنسان الخليجي في ميادين الثقافة والمعرفة، وكانت الحصيلة الثقافية المشتركة بعد 20 سنة من اعتماد استراتيجية العمل الثقافي المشترك متواضعة، ومظاهر الخلل الثقافي تبدو في 4 قضايا:

أ- الظاهرة الإرهابية: لقد أخفقت الثقافة الخليجية في تحصين شبابنا من التطرف والغلو والعنف، وعجزت عن حمايتهم أمام رياح التكفير وأمواج المد الإرهابي التي ضربت الخليج، سياحة ودخلا، وهذا هو الإخفاق الأكبر للثقافة في تصوري.

إن التطرّف لا ينتعش إلا في ثقافة معادية للآخرين ومناهضة للثقافات الإنسانية والفنون الراقية والموسيقى أو المسرح، تجعل الحياة كآبة وبؤساً وجهامة.

ب- الثقافة الذكورية: ثقافة الخليج لازالت ذكورية تنتقص من دور المرأة وتشكك في قدراتها وتسيء الظن بها، ولازالت المناشط الثقافية عاجزة عن تصحيح النظرة المجتمعية إلى المرأة، ولازالت المرأة مبعدة عن المجلس ومؤسساته ومرافقة الثقافية.

ج- العلاقة بالآخر: بالرغم من أن الخليج أكبر منطقة معولمة ومنفتحه على أكثر من 180 جنسية وثقافة فإن الثقافة المجتمعية المشتركة سلبية تجاه الآخر تزرع الكراهية والنفور وتركز على سلبيات الآخر وتحذر الجماهير من الغزو الثقافي والعولمة وأخطارها وصدام الحضارات.

د- قيم الديموقراطية والتسامح: لم تفلح الثقافة في تعزيز قيم الديموقراطية كأسلوب ممارسة في البيت والمجتمع وفشلت في تهيئة جيل يتقبل ثقافة الحوار ويؤمن بالتعددية.

3 - استقلالية العمل الإعلامي المشترك: الإعلام الخليجي المشترك لازال محكوماً بالإعلام العربي العام، مثقلا بأزماته، منشغلا بقضاياه، أكثر من انشغاله بهموم البيت الخليجي وقضاياه وتحدياته، ولم يفلح إعلامنا حتى الآن في التعبير عن ثقافة خليجية متميزة، ومن ناحية ثانية لم يفلح الإعلام الخليجي في مواكبة التطورات السريعة الحاصلة في الخليج سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بحيث أصبحت حركة المجتمع متقدمة على إعلامه، ومن ناحية ثالثة فإن المعالجة الإعلامية للقضايا الخليجية دون المأمول، ومظاهر هذا الإخفاق واضحة في تناول الملف العراقي، حيث بالغ الإعلام الخليجي على ما سمي «المقاومة» العراقية للاحتلال متخلياً عن الموضوعية والحيادية والمهنية، وفي تناول الظاهرة الإرهابية حين ركّز على لوم الآخر بأكثر من تحليل البيئة المجتمعية الحاضنة والمتقبلة للفكر المتطرف، وفي تناول الإعلام لقضايا المرأة لماذا لا نجد الإعلامي الخليجي الذي يقوم بزيارة إلى الوزيرة الخليجية في بيتها مع زوجها وأولادها لنتعرف عليها من قرب.

لايزال الإعلام الخليجي غير فاعل، ونجاحه في المجال المشترك ولازال إعلاما تحريضيا ومعاديا للحضارة في جانب كبير من خطابه.

4 - قضايا حقوق الإنسان: نحن الآن في عالم أصبحت فيه قضايا حقوق الإنسان جزءاً رئيساً من الخطاب العالمي العام، ومع ذلك لا نجد أي انعكاس أو تأثير لتلك القضايا لا على أدبيات المجلس ولاضمن الأجندة السنوية، ولا في البيانات الختامية، وذلك بالرغم من تعاظم وعي المواطن الخليجي بأهمية تلك الحقوق، لا نجد أي اهتمام بهذه القضايا أو علاقة بمنظمات المجتمع المدني أو ذكريات التعبير والصحافة والإعلام، وفي هذا أستشهد بمقولة عبدالله بشارة «إن الوقت قد آن لكي تنطلق المسيرة في انفتاح سياسي يراعي حقوق الإنسان والاستفادة من الطاقات في المجتمع المدني الخليجي أو المنظمات الشعبية كرصيد دائم في ترابط المواطنين وإدخالهم في إطار «المسيرة» ومن هنا فإن على المجلس أن يولي بعض الاهتمام لمستقبل الديموقراطية في دول مجلس التعاون.

وعلى الرغم من أن الأمين العام لمجلس التعاون عبدالرحمن العطية قد صرّح عبر «الفضائية القطرية» في برنامج «لكم القرار» في لقائه مع الطلبة الجامعيين الخليجيين بأنه من مؤيدي تأسيس منابر سياسية في دول المجلس تساهم في مساعدة صناع القرار فإننا حتى الآن لم نجد تفعيلا أو حتى خطوات واضحة تبين معالم هذا المقترح.

5 - التقريب بين المناهج التعليمية الخليجية: وأقصد بها هنا وبوجه خاص مناهج التعليم الديني أو التربية الإسلامية، إذ إن هناك لوناً شاسعاً في المنهج الديني بين أقطار المجلس، فما يُحشى به ذهن الطفل السعودي تجاه معتقدات الآخرين ومذاهبهم حتى من المسلمين فضلاً عن غير المسلمين يختلف تماماً عما يحصل في الساحة الكويتية أو القطرية وبقية دول المجلس، وهذه القضية تشكل خطورة بالغة على مستقبل العمل الثقافي والديني المشترك لأنها تتعلق بقضية «اعتقادية» دينية ومن نتائج السكوت عليها زرع التعصب والتطرف الديني والمذهبي، والأطفال الذين سينقلبون على مجتمعاتهم ويتحولون إلى قنابل بشرية مدوية هم أولى ضحاياه.

6 - مشكلة التركيبة السكانية: ينبغي على المجلس أن يكون له إسهام في التخفيف من الهاجس الخليجي المزمن أو المتجدد تجاه مشكلة الخلل السكاني، وفي تصوري أن إدماج العنصر النسائي الخليجي في قوة العمل أو التمكين للمرأة في المناصب القيادية وحل مشكلة البدون وتجنيس الكفاءات العربية وتسهيل فرص الزواج أمام الجنسية بتخفيف القيود الاجتماعية وإزالة الحواجز المفتعلة بينهما، وكذلك تشجيع التزاوج الخليجي ومنح علاوات سخية للأطفال وتقييد الطلاق والتعدد، كل ذلك عناصر يمكن أن تساهم في معالجة أوجه الخلل في التركيبة السكانية.

هذه تصوراتي من منطلق مدافع عن إنجازات المجلس ومثمن لمسيرته، وفرح بها ومستبشر بما تحقق وطامح في مزيد من المكاسب التي ستتحقق في الأفق القريب بإذن الله تعالى.

* كاتب قطري